هل سيفتح نقاش حول إستراتجية محاربة و تغلل الفساد بالمؤسسات العمومية

أعادت المعطيات التي كشف عنها التقرير الأخير للبارومتر العربي بأن الفساد “لازال يستمر كمشكلة مقلقة للغالبية الأعظم من المواطنين المغاربة وأنه منتشر في مؤسسات الدولة بدرجة كبيرة أو متوسطة”، فَتْح النقاش حول فعاليات استراتيجيات وآليات الدولة لمحاربة “تغلغل الفساد وتخليق الإدارات والمؤسسات العمومية”.
وبلغة الأرقام، أشار التقرير الثامن للبارومتر العربي، الذي تضمن استطلاعات الرأي العام بالمغرب حول عدد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى أن 35 في المئة من العينة المستطلعة، والذين صنفهم التقرير على أنهم المغاربة الأكثر ثراء يُقبلون على القول بأن الحكومة تكافح الفساد، وذلك بواقع 28 نقطة مئوية أكثر من المغاربة الأقل حظا من الثروة 63 بالمئة والذين يعتبرون أن جهود الحكومة في هذا الجانب غير كافية.
وتعليقا على المعطيات التي كشف عنها التقرير، قال يونس بوبكري، المنسق الوطني للجنة الوطنية للخبراء والقوانين بالهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، إن “هذه الأرقام تعكس بالملموس حجم الهوة بين الشعارات الرنانة المعلنة من طرف الحكومة المغربية والواقع المعيشي اليومي للمغاربة”، مشيرا إلى أن “الأمور لا تبشر بالخير وتستلزم إعادة النظر آنيا في السياسات والبرامج الحكومية، بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين الذين أوصلو البلاد إلى هذه الوضعية الكارثية حد تقسيم المغاربة إلى فئة مغرب للأغنياء وآخر للفقراء”.
وعن اعتقاد 74 في المئة من المغاربة أن الفساد منتشر في مؤسسات الدولة بدرجة كبيرة أو متوسطة، أبرز بوبكري أن “هذا دليل آخر على فشل الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والتي امتدت لعقد من الزمن وكلفت ميزانية ضخمة ناهزت 1.8 مليار درهم”، منتقدا “تأخر الحكومة في إعادة النظر بشأن هذه الاستراتيجية على الرغم من أن جل المؤشرات الدولية والوطنية تشير إلى فشلها منذ انطلاقها”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذه الاستراتيجية لم تنعكس أهدافها على أرض الواقع خاصة أمام ارتفاع نسبة الهشاشة والفقر لدى جل الأسر المغربية وارتفاع مؤشر التضخم والبطالة و اندحار مستوى الخدمات الإجتماعية من صحة وتعليم وتسجيل فقدان الثقة من تلثي المغاربة في الحكومة وهي نسبة غير مسبوقة في الحياة السياسية بالبلاد”.
وبخصوص فعالية الآليات التي تم إقرارها مؤخرا للحد من هذه الآفة الاجتماعية، وعلى رأسها منصة “نزاهة” لمحاربة الرشوة، اعتبر بوبكري أن “جل آليات محاربة الفساد تظل دون جدوى”، مستدركا أن “الإشكالية التي نعاني منها حاليا هي إشكالية إرادة وغياب الجدية من طرف المسؤولين والحكومة وليس إشكالية آليات”.
وانتقد الفاعل المدني في مجال النزاهة والشفافية “عدم قيام الهيئة نفسها، منذ إحداثها، بأي تحقيق في ملفات الفساد سواء بالقطاع العام أو الخاص كما أنها لم تفعل أي من صلاحياتها بإحالة ملفات الفساد على النيابة العامة”، مسجلا “توصلها بعدة تبليغات عن جرائم الفساد بعضها هز الرأي العام”.
“النتائج والأرقام المعلن عنها جاءت صادمة ويمكن اعتبارها تقييم حقيقي وأولي عن مدى جدية الحكومة وباقي المؤسسات العمومية في التنزيل الفعلي لخلاصات تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد”، يبرز بوبكري خطورة الأرقام الواردة في تقرير البارومتر العربي بخصوص الفساد، ويردف أنها “تعبر عن مدى انخراط الجهات الرسمية بكل مسؤولية في خدمة التنمية ورفاهية المواطنين”، مستعينا في هذا الجانب بمؤشر أن “66% من الفئة المستطلعة يضطرون إلى الاستعانة بالرشوة والوساطة لإستصدار وثائق رسمية وهذا مؤشر كاف ليوضح أن الحكومة بعيدة كل البعد عن شعارات وضع حد للفساد المستشري واستعادة ثقة المواطنين”.
ولدى سؤاله عن مسؤولية المواطن في انتشار الفساد بإقباله على تقديم الرشوة، اعتبر المصدر ذاته أن “المواطن يتحمل جزء من المسؤولية”، مستدركا أن “المسؤولية تقع بشكل أكبر على عاتق الحكومة لعدم تحسيس هؤلاء المواطنين بعواقب توظيف الرشوة وكذا لعدم تكريس قيم الشفافية والنزاهة في عمل المؤسسات العمومية وإقرار قوانين ردعية تساهم بشكل كبير في تخليق تدبير الشأن العام وتدفع في منحى تشجيع التبليغ ضد الفساد من لدن المواطنين”.