زلزال قضائي في فاس.. إدانة رئيس مقاطعة “جنان الورد” وفضائح البناء العشوائي تكشف وجه “قندهار الحمراء”!

في واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وتشعباً في ملف الفساد العمراني بمدينة فاس، أسدلت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف، الستار مؤقتاً على ما بات يُعرف بـ”فضيحة التعمير بمقاطعة جنان الورد”، والتي تصدّرها اسم رئيس المقاطعة التجمعي رضا عسل، الذي أدين بسنتين حبسا نافذا وغرامة قدرها 20 ألف درهم، رفقة 19 متهماً آخر، ضمن شبكة متشعبة من المسؤولين والموظفين وأعوان السلطة والمقاولين.
القضية التي انفجرت قبل أشهر بعد شكايات متتالية وتحقيقات ماراطونية، كشفت عن حجم الاختلالات البنيوية والرشاوى الممنهجة التي طالت قطاع التعمير في واحدة من أكثر المقاطعات هشاشة واكتظاظاً بالعاصمة العلمية. مقاطعة جنان الورد، التي كان يُفترض أن تكون واجهة حضرية لساكنتها، تحوّلت إلى أحياء إسمنتية معزولة، تخنقها عمارات مشيدة بشكل عشوائي، لا مرافق فيها، لا حدائق، لا مدارس، ولا حتى طرقات صالحة للسير، حتى شبّهها بعض السكان بـ”قندهار الحمراء”.
في قلب هذه الفوضى، برز اسم رضا عسل، القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار، كرأس حربة شبكة عمرانية امتدت أذرعها من قسم التعمير إلى الملحقات الإدارية، حيث تكاثرت الرخص الاستثنائية والوثائق المزورة، وسط تواطؤ مكشوف لموظفين ومهندسين ومقاولين.
وتضم لائحة المدانين: موظفين بجماعة فاس، رؤساء ملحقات إدارية، أعوان سلطة، بنّائين، ومهندسين معماريين، تراوحت أحكامهم بين سنتين وشهرين حبسا نافذا، وغرامات مالية متفاوتة، فيما استفاد شخصان فقط من البراءة.
من بين الأسماء البارزة، نذكر:
-
يوسف العميري (3 سنوات حبسا)
-
محمد المعاوي قائد الملحقة الإدارية “اللويزات” (18 شهراً)
-
أربعة أعوان سلطة (سنة واحدة لكل منهم)
-
مهندسون معماريون (شهران لكل منهم)
-
وعدد من البنّائين والسماسرة بأحكام متفاوتة
القضية كشفت أن بعض المشاريع العشوائية في جنان الورد، وعلى رأسها ما يُعرف بـ”عمارات تيتانيك”، التي تم إفراغها من السكان مؤخراً لكونها مهددة بالانهيار، لم تكن سوى قمة جبل جليد من البناء غير المرخص، في أحياء تفتقر لكل مقومات الحياة الكريمة، وتكاد تتحول إلى قنابل إسمنتية قابلة للانفجار في أية لحظة.
وقد وجه قاضي التحقيق تهماً ثقيلة للمتهمين، تراوحت بين الارتشاء، تبديد المال العام، التزوير، واستغلال النفوذ وتسليم وثائق إدارية لمستفيدين غير شرعيين، وهي تهم تضع مستقبل عشرات المشاريع السكنية المشبوهة تحت مجهر العدالة.
وقد تم إبلاغ المتهمين المدانين بحقهم في استئناف الحكم داخل أجل لا يتعدى عشرة أيام، طبقاً للقانون.
ويُنتظر أن تفتح هذه الأحكام الباب واسعاً أمام محاسبة أوسع لمسؤولي التعمير بفاس، في ظل تصاعد الغضب الشعبي من واقع التهميش والفوضى الذي يغرق فيه عدد من الأحياء، فيما يتساءل مراقبون: كم من “تيتانيك” جديد ينتظر الانهيار؟ وهل سيكون القضاء هذه المرة في مستوى تطلعات مدينة نُهشت عمرانياً باسم “الترخيص الاستثنائي”؟