تقرير: الانتخابات تُقرع مبكرًا في المغرب: “حكومة المونديال” تُطل من بعيد وصراع الزعامات يشتد

تقرير خاص “فاس24”: إعداد عبدالله مشواحي الريفي
رغم أن المغرب لا يزال على بُعد أكثر من عام من موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026، بدأت الحملة الانتخابية “غير المعلنة” تلوح في الأفق بوضوح، مع تصاعد الخطاب الحزبي المحموم والتحركات الميدانية المكثفة التي توحي بأن السباق قد انطلق بالفعل. وفي قلب هذا المشهد السياسي المتسارع، تستعد جهة فاس مكناس، التي طالما كانت معقلاً انتخابياً حاسماً، لتكون إحدى أبرز ساحات “الاحتدام المبكر”.
“الأحرار” يُروّجون لـ”المونديال” و”الولاية الثانية”
يُواصل حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يتصدر المشهد الحكومي بقيادة عزيز أخنوش، حملته الترويجية لإنجازات حكومته عبر جولات ميدانية مكثفة تحت شعار “الإنصات والإنجاز”. ويُركز الحزب على ملفات الدعم الاجتماعي المباشر، والتحكم في التضخم، واستضافة المغرب لكأس العالم 2030، مُقدماً إياها كشواهد على نجاح سياسته.
وبلهجة الواثق من موقعه، لم يتردد أخنوش في التلميح إلى طموح حزبه لقيادة “حكومة المونديال” القادمة، مُسوقاً مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالحدث الكروي العالمي كجزء من إنجازات حكومته. لكنّ محللين سياسيين يشيرون إلى أن ملف تنظيم مونديال 2030 يحظى بإشراف ملكي مباشر ويُعد شأناً وطنياً استراتيجياً يتجاوز الأجندات الحزبية الضيقة.
وفي السياق ذاته، يسعى الحزب لنسب برنامج الدعم الاجتماعي، الذي انطلق أواخر عام 2023 ويستفيد منه نحو 3.9 مليون أسرة مغربية، إلى “الشجاعة الإصلاحية” للحكومة، على الرغم من كونه تنفيذاً لتعليمات ملكية واضحة. ويُعتبر هذا البرنامج ورقة انتخابية قوية يُراهن عليها الأحرار لكسب دعم شعبي في الاستحقاقات القادمة.
أما بخصوص ملف الأسعار، فيُشير أخنوش إلى نجاح حكومته في خفض معدل التضخم إلى أقل من 1% منتصف عام 2025. غير أن تقارير رسمية تُرجع الفضل في هذا التراجع إلى عوامل عالمية مثل تراجع اضطرابات سلاسل الإمداد، بالإضافة إلى التدخلات النقدية لبنك المغرب، أكثر مما تُنسب إلى السياسات الحكومية المباشرة.
ابن كيران يعود بـ”قضية التطبيع” و”أسعار المحروقات”
على الضفة المقابلة، يدخل حزب العدالة والتنمية، بزعامة عبد الإله ابن كيران، الساحة السياسية من أبواب ملفات بالغة الحساسية، أبرزها القضية الفلسطينية وملف تحرير أسعار المحروقات. يسعى الحزب، الذي مُني بنكسة انتخابية في عام 2021، إلى استثمار هذه القضايا لإعادة تعبئة قواعده وتقديم نفسه كصوت “أخلاقي” في مشهد سياسي تشابكت فيه المصالح.
وفي خطاباته النارية، يدافع ابن كيران عن قراره السابق بتحرير أسعار المحروقات، مؤكداً أنه كان قراراً “صعباً لكنه ضرورياً”، في حين يتهم الحكومة الحالية بتحقيق “أرباح فاحشة دون ضوابط”. كما يُصعّد لهجته تجاه دعاة استمرار التطبيع مع إسرائيل، مهاجماً من يُسميهم بـ”كلنا إسرائيليون”، وهو توصيف غير مسبوق في الخطاب السياسي المغربي.
الأغلبية الحكومية: “تنافر صامت” يهدد التماسك
الغريب في هذا المشهد السياسي هو تزايد علامات التصدع داخل مكونات الأغلبية الحكومية نفسها. حزب الاستقلال، عبر أمينه العام نزار بركة، وجه انتقادات لاذعة لسياسة دعم استيراد المواشي، معتبراً أنها لم تنعكس إيجابياً على الأسعار ومُلمّحاً إلى استفادة “لوبيات” على حساب المواطن. هذه التصريحات تسببت في شرخ واضح داخل الأغلبية، خصوصاً وأن الحكومة تسعى جاهدة لإظهار صورة متماسكة أمام الرأي العام.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، فيبدو منشغلاً بإعادة ترميم صورته بعد صراعات داخلية أفضت الى إعادة المغضوب عليهم و المبعدين في فترة عبداللطيف وهبي، ويُحاول الحزب الظهور بخطاب مستقل ومشروع سياسي موازٍ، رغم مشاركته في الحكومة. وقد أعلنت فاطمة الزهراء المنصوري، القيادية البارزة في الحزب، بوضوح أن هدفهم هو أنه حان الوقت “للباميين” قيادة حكومة ما بعد 2026، مُراهنةً على زخم “المونديال” لتوسيع قاعدة الحزب وتعزيز شرعيته الشعبية.
فاس: ميدان “المعركة المبكرة”
مدينة فاس، كغيرها من المدن الكبرى، بدأت تشهد ارتفاعاً في وتيرة التعبئة الحزبية، لا سيما من طرف حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية و الإستقلال،فيما يشهد الاصالة و المعاصرة فتورا ووضعا مترديا بجهة فاس مكناس، ويُشير مراقبون إلى أن سباق استمالة القواعد الانتخابية قد بدأ بالفعل، خصوصاً في الأحياء الشعبية و البوادي ومراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي بالمدينة. ورغم أن المعركة الكبرى لا تزال على بُعد أشهر، إلا أن ملامح الاصطفافات و الإستقطابات السياسية باتت واضحة.
العالم القروي: معركة المقاعد الصامتة
في خضم هذا الصخب السياسي، تبرز استراتيجية صامتة ولكنها محورية للأحزاب المتنافسة، تتمثل في التركيز المكثف على العالم القروي. فالمقاعد البرلمانية المخصصة لهذه المناطق، والتي غالباً ما تحسم موازين القوى في البرلمان، تُعد هدفاً رئيسياً للأحزاب. وتشهد الدواوير والقرى النائية زيارات مكثفة لمسؤولين حزبيين، ووعوداً بتنمية شاملة، وتحركات تهدف إلى استمالة الناخبين المحليين بعيداً عن الأضواء الكاشفة للمدن الكبرى. إن معركة حصد أصوات العالم القروي تُعد حجر الزاوية في أي استراتيجية انتخابية ناجحة، وقد تكون المفتاح لعدد كبير من المقاعد في برلمان 2026.
استطلاع رأي مبدئي: من سيحتل المراتب الأولى في 2026؟
في ظل هذه الديناميكية السياسية المبكرة، ومن خلال تحليل للتحركات الحزبية والخطاب العام، يُمكن استشراف بعض السيناريوهات الأولية لنتائج انتخابات 2026. ورغم أن هذه مجرد توقعات مبدئية ولا تمثل استطلاع رأي علمياً دقيقاً، إلا أنها تستند إلى مؤشرات ميدانية وحالية:
- التجمع الوطني للأحرار: يُرجح أن يُحافظ على مكانته كقوة رئيسية، وقد يحتل المرتبة الأولى أو الثانية. فرغم الانتقادات، يبقى الحزب مُمسكاً بزمام الحكومة، ويُراهن على إنجازات المرحلة الحالية، لاسيما ملف الدعم الاجتماعي و”المونديال”.
- حزب الأصالة والمعاصرة: يمتلك قاعدة انتخابية واسعة وطموحاً واضحاً لقيادة الحكومة. ومع جهوده لإعادة بناء صورته، يُمكنه أن يُشكل منافساً قوياً للأحرار ويحتل إحدى المراتب الأولى.
- حزب الاستقلال: يُتوقع أن يُحقق تقدماً ملحوظاً، خاصة مع الخطاب النقدي الأخير لأمينه العام. يُمكن أن يستفيد الحزب من حالة التذمر الشعبي من بعض السياسات الحكومية، ويُعزز موقعه كقوة مؤثرة في البرلمان.
- حزب العدالة والتنمية: رغم محاولاته للعودة بقوة، قد يجد صعوبة في استعادة كامل قاعدته الجماهيرية السابقة. لكن خطابه المناهض للتطبيع والمدافع عن الطبقات الفقيرة يُمكن أن يُمكنه من الحصول على عدد لا بأس به من المقاعد، ويُشكل قوة معارضة رئيسية.
الكرة في الملعب السياسي… الآن!
إن ما يجري اليوم من تكتلات وتراشق وتوظيف سياسي لملفات استراتيجية واجتماعية، يكشف أن الاستحقاقات القادمة لن تكون كسابقاتها. إن معركة 2026 قد بدأت بالفعل، وإن بغير إعلان رسمي. ومع “المونديال” الذي يلوح في الأفق، يبدو أن “الكرة” هذه المرة ليست فقط في ملعب الرياضة، بل في قلب السباق الانتخابي، حيث تُرسم الطموحات وتُختبر التحالفات… من الآن.
هل ستكون هذه الحملة الانتخابية المبكرة مؤشراً على تحولات كبرى في الخارطة السياسية المغربية؟ وهل ستشهد جهة فاس مكناس معيار وطني لمعارك انتخابية حاسمة تحدد ملامح المشهد السياسي في عام 2026؟