مسيرة شعبية ضخمة تتضامن مع الشعب الفلسطيني و اللبناني في يوم النفير الى الرباط
هنا الرباط عاصمة المملكة المغربية صبيحة يوم الأحد 6 أكتوبر 2024، حركة غير عادية في محيط المدينة العتيقة وساحة باب “الأحد” المجاورة لها، حافلات مركونة ينزل منها أشخاص يحملون لافتات تدل أنهم قدموا من مدن بعيدة، وجدة، أكادير، تطوان، برشيد، الكل يتجمع في الساحة استعدادا لانطلاق المسيرة الحاشدة المخلدة للذكرى الأولى “لطوفان الأقصى”.
قرب حديقة “نزهة حسان” سيارات الأجرة الكبيرة أيضا تٌنزل أشخاصا قادمين من سلا المجاورة، بعضهم يشي منظره أنه جاء خصيصا للمشاركة في المسيرة، منهم سيدة شابة تلتحف الكوفية الفلسطينية، تأخذ بيد ابنها الصغير وهو يحمل علما فلسطينيا، يتوجهان بخطى حثيثة نحو شارع محمد الخامس.
من بعيد يتردد صدى الألسنة تصدح قويا بأصوات الشعارات، والأعلام الفلسطينية واللبنانية تتراءى ترفرف في الأفق الممتد نحو زرقة سماء يوم خريفي، وفي وسط أهم شارع بالعاصمة، يرفع شباب وشابات علما فلسطينيا بحجم كبير يحملون أطرافه بعناية فائقة، ويخطون به وسط المسيرة التي بدأت تتحرك في اتجاه مقر البرلمان.
الحركة التجارية للمحلات عادية جدا والمقاهي مفتوحة لمن يحتسي قهوته الصباحية، وحدهم الباعة المتجولون حولوا أنشطتهم الاقتصادية لبيع الكوفيات والأعلام الفلسطينية واللبنانية.
المسيرة تتقدم رويدا رويدا والحرارة الخريفية تشتد ومعها ترتفع أيضا حرارة الشعارات، واحدة تلعن أمريكا ودعمها الكبير للاحتلال الإسرائيلي الذي سفك دماء أكثر من 42 ألف فلسطيني نصفهم نساء وأطفال منذ عام كامل بغزة وسط تواطؤ غربي وصمت متخاذل عربي، وأخرى تلعن التطبيع “وأزلامه” هكذا يردد المتظاهرون.
ساحة البرلمان لم تفرغ منذ السابع من أكتوبر من الوقفات الاحتجاجية المنددة بالجرائم الإسرائيلية بفلسطين الممتدة اليوم إلى لبنان، وعلى مدار عام كامل كان المغاربة من أكثر الشعوب التي خرجت تلقائي تضامنا مع الشعب الفلسطيني.
نصر الله وهنية.. من الرباط تحية
من بعيد تظهر لافتة كبيرة رسم عليها وجه إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” المغتال في طهران، وبقربه لافتة أخرى رسمت عليها شخصية “حنظلة” وهو يحمل بندقية مكتوب فيها “قاوم”، هذه الشخصية الأيقونية التي اختارها ناجي العلي رمزا لأغلب رسوماته الكاريكاتيرية لازالت تقاوم، وتؤرخ لتاريخ فلسطيني طويل من النضال والتضحيات والدماء، التي لم تتحول إلى ماء كما جاء في أحد رسوماته الشهيرة بل إلى هواء تتنفسه رئة كل من يؤمن بالمقاومة في زمن تحتل فيه إسرائيل كل عواصم القرار في العالم وليس فلسطين وحدها.
نصر الله أيضا انبعث من الضاحية الجنوبير لبيروت وظهر في العاصمة الرباط ملوحا بأصبعه في أحد الملصقات، بلحيته البيضاء التي تزيده وقارا وكاريزما اعترف بها خصومه قبل محبيه.
تسير الحشود في حركة بطيئة وسط شارع محمد الخامس، بشكل يشابه حركة التاريخ الماكر دائما، فمن قال إنه بعد أربع سنوات من التطبيع، ومن الشيطنة التي تعرض لها “حزب الله” في المغرب بعد اتهامه بتدريب عناصر من جبهة البوليساريو، وهي اتهامات صادرة بشكل رسمي عن وزارة الخارجية، ترفع اليوم صورة زعيمه وقادته العسكريين وعلى رأسهم فؤاد شكر أمام مقر البرلمان المغربي في قلب العاصمة الرباط.
“نصر الله وهنية من الرباط تحية” هكذا ترفع الحشود أصواتها التي تختلط بزغاريد النساء اللواتي حضرن بكثافة في المسيرة. قادة تغتالهم إسرائيل في المشرق بأسلحة دقيقة وصواريخ تحمل الأطنان من القنابل، ويظهرون في المغرب في الشعارات والأعلام وفي الوجدان كرموز أيقونية سالت دماؤها دفاعا عن القضية الفلسطينية.
فلسطين في القلوب والتطبيع غير مرغوب
شعارات مناهضة التطبيع حضرت بقوة في المسيرة، بل لم تغب أبدا منذ التوقيع على اتفاقية التطبيع في أواخر سنة 2020، الجديد اليوم أنها أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى أمام الجرائم الفظيعة التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
مطلب تجريم التطبيع رفع أمام البرلمان الذي أسس قبل الحرب في غزة لجنة أسماها “لجنة الصداقة المغربية الإسرائيلية” لم يسمع عنها خبر أو نشاط إلى اليوم، يردد المتظاهرون شعار “قولوا لأزلام التطبيع بلادنا ماشي للبيع”، والمفارقة أن بينهم من وقع في السابق على اتفاقية التطبيع قبل أن يتبرأ منها كوصمة عار تلاحقه، والحديث هنا عن حزب “العدالة والتنمية” الذي حضر أنصاره بقوة في المسيرة، وكان رئيس مجلسه الوطني ادريس الأزمي في مقدمة الحشود إلى جوار السفيرين الفلسطيني واللبناني.
شمس الظهيرة الحارقة تتوسط السماء والجماهير تتوقف أمام محطة القطار بالرباط، أمامها عشرات من أفراد القوات العمومية، يقفون سدا بينها وبين الطريق المؤدية إلى مسجد السنة، ومنها إلى باب “السفراء” بوابة المشور الملكي، هي نهاية المسيرة والمشاركون ينصرفون تباعا، يمنون النفس أنهم سيعودون ربما في المرات القادمة للاحتفال بفرح قريب، أو نصر يروي نفوسهم التواقة لرؤية فلسطين محررة وعاصمتها القدس تماما كما رددوا في شعارات المسيرة.