مجتمع

ملف الأحد: فاس تحت حر الشمس وإهمال المجلس الجماعي.. مأساة المواطن بين غياب المسابح وغياب المسؤولية

ملف الأحد من إعداد: عبدالله مشواحي الريفي

لا صوت يعلو فوق صوت لهيب فاس

في مدينة فاس، التي ترتفع فيها درجات الحرارة إلى أكثر من 43 درجة مئوية، لا شيء يعلو فوق صوت لهيب الشمس الحارقة التي تحرق كل شيء من حولها، من شوارع خاوية وأحياء قاتمة إلى وجوه تختبئ خلف أبواب المنازل. نهارًا، تختفي الحياة وسط موجة حر لا ترحم، وتخلو الأزقة من صخب الأطفال الذين توقفوا عن لعب الكرة، كأن الحرارة لم تمنعهم فقط من اللعب، بل فرضت عليهم الصمت في مدينتهم التي تحتضر تحت وطأة الإهمال.

هذا الحر لا يرحم أحدًا، لا الشباب ولا الأطفال ولا العائلات التي تبحث بلا جدوى عن متنفس يخفف عنهم وطأة هذه الأجواء القاسية، ولكن المفجع أن المسابح العمومية التي كانت من المفترض أن تكون متنفسًا لهم، أُغلقت بقرار من جماعة فاس، تاركة المواطنين وحيدين في مواجهة الحرارة. لا صوت يعلو فوق هذا الصمت الذي تعتمده الجماعة في مواجهة الأزمة، وكأنها تريد أن تخفي حجم المعاناة ولا تعترف بها.

غياب المسابح العمومية.. قرار يؤجج الأزمة

مسابح فاس العمومية، التي كانت الأمل الوحيد لعدد كبير من العائلات وخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة، أصبحت اليوم مغلقة في وجه العموم، دون أي بدائل أو حلول. قرار الإغلاق هذا، الذي لم يرافقه أي إعلان رسمي أو مبرر منطقي، جعل المدينة تترك سكانها يبحثون عن حلول بديلة، أحيانًا محفوفة بالمخاطر، وأحيانًا أخرى غير متاحة لغلاء الأسعار.

أما النافورات التي طالما كانت موضوعًا للتهكم، فبالرغم من منع السباحة فيها إلا أن الأطفال كانوا يغامرون بحياتهم فيها بحثًا عن برودة ولو مؤقتة، مما يدل على حجم الأزمة التي تعيشها المدينة. النافورات التي يُمنع الاستجمام فيها هي مجرد رمز ساخن للإهمال والتراخي الذي يعيشه الفضاء العام في فاس.

مسؤولية جماعة فاس والعمدة الغائب

في قلب هذه الأزمة الحارقة، يقف مجلس جماعة فاس برئاسة عبد السلام البقالي، العمدة المحسوب على حزب التجمع الوطني للأحرار، متفرجًا على المدينة وهي تتداعى أمام أعينهم. الغياب الواضح للعمدة عن الساحة وتخليه عن مسؤولياته الأساسية، خاصة في أوقات الأزمات، يجعل المواطنين يشعرون أنهم مهملون تمامًا.

هذه الجماعة التي فشلت في إيجاد حلول تليق بمدينة تاريخية مثل فاس، تحولت إلى عبء على سكانها، الذين يتساءلون عن جدوى تمثيلهم وعن جدوى هذه الإدارة التي تبدو غائبة وغير مبالية. الوقت حان لإعادة النظر في القيادة الحالية، التي يبدو أنها لا تملك الرؤية ولا الإرادة لتغيير واقع مأزوم.

الشباب والأطفال.. رحلة محفوفة بالمخاطر إلى الوديان

حين تضيق المدينة على سكانها وتنغلق المسابح أمامهم، يصبح وادي غابة عين الشقف الوجهة الأخيرة لهم. هناك، وسط الطبيعة الخضراء التي تبدو وكأنها متنفس، يغامر آلاف الأطفال والشباب بأرواحهم في مياه الأودية التي تفتقر لأي معايير سلامة أو مراقبة.

هذه الممارسة الخطيرة، التي يمكن أن تنتهي بكارثة في أي لحظة، لم تحظَ بأي اهتمام من طرف السلطات المحلية، مما يرفع من مستوى الخطر الذي يتعرض له هؤلاء الشباب، الذين لا يجدون سوى المياه البرية ليرووا عطش أجسادهم ويحاولوا الهروب من جحيم الحرارة.

غلاء أسعار المسابح الخاصة.. حصار لا يطاق

وللأسف، فمسابح فاس الخاصة التي بقيت مفتوحة لمواجهة الصيف لا تقدم سوى حلولًا لمن يملك القدرة المالية، إذ تتفاوت أسعار الدخول إلى مستويات تجعلها بعيدة عن متناول أغلبية السكان، مما يرسخ الفوارق الاجتماعية ويجعل الحرمان أعمق.

هذا الواقع الاجتماعي الصادم يعكس سياسة لا تراعي الظروف المعيشية للساكنة، ويزيد من تفاقم الأزمة التي يعيشها الشباب والأطفال الذين حُرموا من أبسط حقوقهم في الاستجمام والترفيه.

غياب الرؤية.. فاس تغرق في بحر من الإهمال

غياب أي رؤية واضحة في تدبير المجلس الجماعي يضاعف معاناة السكان، فغياب مشاريع إنعاش حقيقية وعدم الاهتمام بالمرافق العامة وغياب خطط طوارئ لمواجهة موجات الحرارة المتكررة جعل المدينة تتخبط في أزمة متجددة كل عام.

التسيير العشوائي والقرارات المتخبطة التي لا ترتبط بحاجة المواطنين، تضع فاس في خانة المدن التي تغرق في مشكلاتها دون أمل في الحل، وهو أمر يطرح تساؤلات كبيرة حول كفاءة إدارة المجلس الحالي وقدرتها على قيادة المدينة نحو مستقبل أفضل.

فاس محاصرة ليلًا ونهارًا.. بين لهيب الحرارة وهجوم الحشرات

لا تقتصر مأساة فاس على نهارها الحارق فقط، بل تمتد إلى الليل الذي لا يقل قسوة على السكان، الذين يعيشون في مدينة أشبه بـ”المدينة الشبح”. لهيب الحرارة لا يفارق شوارعها وأزقتها، ومع غياب البدائل الحقيقية، تجد الأسر نفسها مجبرة على فتح النوافذ في محاولة بائسة لتحريك هواء يتسلل بشق الأنفس وسط جدران ساخنة. لكن ما تلبث أن تتحول هذه المحاولات إلى هجوم عنيف للحشرات التي تغزو المنازل ليلاً، ما يزيد من معاناة السكان ويجعل من النوم حلماً بعيد المنال.

في مشهد يعكس حجم الأزمة التي تعيشها المدينة، بدأ أصحاب السيارات في فاس يقضون ليالي بيضاء هربًا من جدران المدينة الحارقة. التوجه صوب الطريق السيار أصبح ملاذهم الوحيد للهروب من هذا الحصار الحراري الذي لا يرحم، حيث يتشكل طابور طويل يمتد لأكثر من خمسة كيلومترات على مستوى مدارة عين السمن في اتجاه الطريق السيار، وهو الحال نفسه في عدد من مداخل المدينة التي باتت تعاني من ازدحامات خانقة بفعل هذا النزوح الليلي.

هذه الظاهرة الجديدة تبرز هشاشة البنية التحتية وعدم وجود حلول مستدامة لتوفير الراحة للسكان، لتبقى فاس مدينة لا تنام، لكن ليس من فرط الحياة بل من ضغط الحر والنقص الحاد في الخدمات التي تخفف عنهم وطأة الأجواء القاسية.

عبد السلام البقالي.. زمن الرحيل حان

في ظل كل هذه المشاكل والمآسي، لا يمكن إلا أن يكون عبد السلام البقالي وتحالفه في جماعة فاس، من أكثر المسؤولين تحملاً للنتائج الكارثية. غياب الرؤية، تجاهل المشاكل، وتملص من المسؤولية جعل من العمدة شخصًا بعيدًا عن هموم المدينة وساكنيها.

المواطنون يتطلعون إلى قيادة جديدة تحمل مشروعا تنمويا حقيقيا، وتعيد لفاس مكانتها كمدينة تنبض بالحياة والتنوع الثقافي والاجتماعي، بعيدًا عن التسيير المهترئ والسياسات الفاشلة التي قادت المدينة إلى هاوية اللامبالاة.

فاس اليوم ليست فقط محاصرة بحرارة الصيف، بل محاصرة بإدارة لا تراعي ما تعانيه ساكنتها، وقيادة تغيب في أهم اللحظات، وساكنة تبحث عن أبسط الحقوق في مناخ يزداد ضيقًا يوماً بعد يوم. حان الوقت لأن تستيقظ فاس من سباتها، وأن يُحاسب المسؤولون على هذه المأساة التي لا تزال تتفاقم بلا حلول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى