ملايير تُسائل التنمية القروية: دعوات للتحقيق في صرف أموال تقليص الفوارق المجالية بين 2017 و2023

في خطوة لافتة تكشف تصاعد القلق بشأن مصير برامج التنمية بالعالم القروي، طُرحت مطالب رسمية بفتح تحقيق دقيق وواسع في كيفية صرف ميزانيات صندوق تنمية العالم القروي والمناطق الجبلية، خلال الفترة الممتدة من 2017 إلى 2023، والتي قُدرت بعشرات المليارات.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن هذه الدعوة جاءت لمباشرة تدقيق مشترك بين المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، تحت إشراف مباشر للسلطات الرقابية العليا، بهدف التثبت من مدى التزام المشاريع المنجزة ببرامج العمل السنوية، الخاصة بمخطط تقليص الفوارق المجالية، الذي جرى إطلاقه وفق توجيهات ملكية، ورُصد له غلاف مالي يُقدّر بـ50 مليار درهم.
التحقيق المزمع إطلاقه جاء في أعقاب تواتر معلومات عن شبهة توجيه جزء من ميزانية البرنامج نحو أهداف حزبية وانتخابية ضيقة، تورط فيها فاعلون سياسيون ومسؤولون حكوميون، أحدهم جرى استبعاده في تعديل حكومي سابق. وتشير المعطيات إلى أن عدداً من المنتخبين استفادوا من تمويلات المشاريع، في مدن وأقاليم لا تندرج ضمن المجال القروي أو الجبلي، في خرق صريح للهدف الأصلي من البرنامج.
وسُجلت حالات بارزة لاستغلال غير قانوني للتمويل العمومي، من قبل برلمانيين في مناطق حضرية، ما يتعارض مع فلسفة الصندوق، التي تستهدف تقليص التفاوت بين المناطق المهمشة والمجال الحضري، وهو ما كشف عن اختلالات تمس بمبدأ العدالة المجالية والتوزيع المنصف للاستثمارات العمومية.
يمثل المجال القروي أكثر من 90% من المساحة الإجمالية للبلاد، ويقطنه ما يقارب 40% من الساكنة، كما يحتضن نحو 9 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للفلاحة، ويساهم بنسبة 20% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، لا تزال الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية ترسم معالم الحياة اليومية لساكنته.
وقد راهنت الحكومة على مخطط تقليص الفوارق المجالية كركيزة أساسية في استراتيجياتها الترابية، مُعلنة التزامها بتعزيز الولوج إلى البنيات التحتية والخدمات الأساسية في المناطق القروية والجبلية، من خلال فك العزلة، وتحسين التمدرس، وتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء، وتعزيز الخدمات الصحية، وخلق دينامية اقتصادية مستدامة.
بفضل طابعه التشاركي ومتعدد القطاعات، شكّل هذا البرنامج نموذجاً حديثاً للتدخلات العمومية في المجال الترابي، يقوم على التنسيق والالتقائية بين مختلف الفاعلين، من أجل تحقيق فعالية أكبر في التنفيذ. غير أن التقارير غير المعلنة التي دفعت إلى المطالبة بالتحقيق تكشف عن ثغرات حقيقية في تدبير المشاريع، وتطرح علامات استفهام كبرى حول فعالية منظومة الحكامة، ومدى التزام المتدخلين بتوجيهات البرنامج وأهدافه.
في المحصلة، يُنتظر أن يُسلّط التحقيق المرتقب الضوء على أوجه القصور والاختلال، ويضع حداً لأي تلاعب محتمل في أموال عمومية كان يفترض أن تُستثمر في مستقبل ساكنة الهامش، لا في الحسابات السياسية الضيقة.