ثقافة

فاس… المدينة التي خذلتها الثقافة: أنشطة باهتة وواقع شبابي مأزوم في حضرة وزير الصمت

فاس، العاصمة العلمية للمملكة، مدينة تلاقح الحضارات والأديان، إستقبلت أمس الأربعاء (11 يونيو 2025)، وزير الثقافة في زيارة وُصفت بـ”البروتوكولية”، تحمل شعارات كبيرة وعناوين براقة، لكنها تخفي خلفها واقعاً ثقافياً هشاً، وتراجعات صادمة في البنية التحتية والمؤسسات الشبابية.

ففي الوقت الذي تشهد فيه المدينة ركوداً ثقافياً غير مسبوق، وغياباً مقلقاً للدعم والاهتمام الحكومي، اختار الوزير الحاضر أن يرفع شعار “فاس، بوابة السماء”، ليطلق عروض “نوستالجيا” بباب المكينة التاريخي، وهي عروض فنية مسرحية تتغنى بالماضي، لكنها لا تُقدّم شيئاً للحاضر، ولا تفتح أي نافذة نحو المستقبل. عروض تم الترويج لها كما لو أنها حدث فني كبير، في حين أن فاس، بتاريخها العريق، تستحق مشاريع ثقافية أكثر عمقاً وجدية، تليق بمكانتها كرمز للهوية المغربية.

وفي لقاء آخر، قُدم مشروع “جواز الشباب” ، في محاولة لتسويق مبادرة وطنية على أنها استجابة لحاجات شباب الجهة. لكن المفارقة أن القاعة التي احتضنت اللقاء غاب عنها الشباب، وحضر فيها الكهول، لتتحول المبادرة إلى مجرد صورة مناسباتية، تفقد معناها في ظل غياب تشخيص حقيقي لأزمات الشباب الفاسي. فهؤلاء يعانون من البطالة، والعزلة، وغياب المرافق، وليس فقط من غياب “جواز”.

الأكثر مأساوية، أن الوزير لم يكلّف نفسه عناء زيارة المركب الثقافي القدس، الذي تحوّل إلى رمز للإهمال: جدرانه الخارجية متآكلة، مرافقه الداخلية مهملة، وكل شيء فيه يروي حكاية تراجع مستمر في الخدمات منذ سنوات. ولا دور الشباب الأخرى أفضل حالاً، فالمدينة تفتقر إلى فضاءات ترفيهية حقيقية، وباتت أماكن مخصصة للشباب تتحول إلى أطلال،و بجانبه يقبع مركب الثقافة الذي أغلقت أبوابه لسنوات و عجز المجلس الجماعي على إصلاح ما يمكن إصلاحه بعد ان تخلى عنه الدعم الحكومي.

وفي حي اعوينات الحجاج الشعبي، تقف “القاعة المغطاة” شاهداً صامتاً على الإهمال، وقد تحولت إلى مطرح للنفايات، دُمّرت نوافذها، وكسرت أبوابها، وتحولت مرافقها إلى مراحيض عمومية. كل هذا كان يتطلب من الوزير زيارة ميدانية خاطفة على الأقل، ليُدرك حقيقة الوضع الذي تعيشه المدينة وشبابها، بدلاً من الانشغال بلقاءات محسوبة وموجهة مسبقاً، لا تمثل صوت القاعدة الشبابية الحقيقية.

وفي ظل هذا الواقع، يرى العديد من الفاعلين الثقافيين أن وزارة الثقافة قد تخلت عن فاس منذ سنوات، بعدما كانت قلعة للإشعاع الثقافي والعلمي، ومركزاً لصناعة الفكر والفن، لتتحول إلى مدينة مهمشة، تتلقى الفتات من الدعم، وتُقصى من المشاريع الكبرى التي تحظى بها مدن أخرى.

وفي خضم هذه الأحداث، لا تخطئ العين الخلفية السياسية لبعض أنشطة الوزير، التي يبدو أنها أقرب إلى حملة انتخابية ناعمة منها إلى سياسة ثقافية وطنية. فالمبادرات الحالية لا تلامس عمق مشاكل المدينة، ولا تجيب عن أسئلة شبابها، الذين يعيشون تهميشاً مضاعفاً في غياب المرافق والخدمات والآفاق.

فاس اليوم، مدينة عمرها 12 قرناً، لكنها تعيش الخيبة في صمت. تحتاج أكثر من عروض مسرحية، وأوراق جوازات، وخطابات منمقة. تحتاج مشروعاً ثقافياً حقيقياً يعيد لها وهجها، وكرامتها، ويمنح شبابها الأمل في مستقبل مختلف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى