تحليل إخباري: نصف ولاية حكومة أخنوش هل تبخرت الوعود و العهود
تقترب الحكومة المغربية الحالية من منتصف ولايتها، بعدما وجدت السُبل مُمهدة للشروع في عملها، منذ أكتوبر من سنة 2021، من خلال أغلبية مكونة من 3 أحزاب (التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال) استطاعت لوحدها الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان بمجلسيه، بل وفي كل مجالس الجهات ومجالس الجماعات الكبرى، مُستندة إلى وعود براقة، كانت بمثابة “الأمل” للملايين من المغاربة.
لكن الفترة الماضية كانت كافية لترسيخ شعور عام بالإحباط، بل اليأس، من تغيُر الأمور نحو الأحسن، وكانت كفيلة بالوصول إلى قناعة راسخة مفادها أن حكومة عزيز أخنوش أبعد ما تكون عن تحقيق “الأحلام الوردية” التي رسمتها باجتهاد خلال الحملة الانتخابية، وهو أمر أكده تعاملها مع العديد من الملفات، التي تدعم الأرقام الرسمية الصادرة عن مختلف المؤسسات المعنية، فشلها في تدبيرها.
منذ أول خطاب له في البرلمان بصفته رئيسا للحكومة، أصر عزيز أخنوش على وضع عبارة “الدولة الاجتماعية”، شعارا لولايته، لدرجة أنه حين عرض برنامجه الحكومي أمام أعضاء مجلسي النواب والمستشارين وضع من بين الالتزامات العشرة الكبرى التي تعهد بها إحداث مليون منصب شغل في غضون السنوات الخمس التي يُفترض أن يقضيها على رأس السلطة.
لكن، ومع اقتراب ولاية الحكومة من منتصفها، تبدو وعود أخنوش أبعد ما تكون عن التحقُق، بعدما عرت الأرقام الرسمية الواقع، كاشفة عن تسجيل المملكة أرقاما مُخيفة في مجال التشغيل، حيث تجاوز تعداد العاطلين مليونا ونصف المليون مع متم سنة 2023، الأمر الذي مثَّل صفعة لرئيس الحكومة، الذي يحاول الآن تدارك الأمر بإعلان “ترقية” التشغيل إلى مصاف الملفات ذات “الأولوية”.
وليس من عادة أخنوش، نهائيا، أن يعلن عن فشله أو فشل أعضاء حكومته في التعامل مع ملف معين، فهو إما يلجأُ للتحجج بالظرفية العالمية، أو يُحمل المسؤولية للحكومات السابقة، أو يضخم أرقاما على حساب أخرى حتى يُسوق للفشل على أنه “إنجاز”، لكنه مع ملف الشغل تحديدا عَدمَ الوسيلة لذلك، مُكتفيا بتصنيف التشغيل من بين “الإشكاليات المُعقدة التي تتطلب تجاوز الأجندات السياسية”.
“الاعتراف الضمني” لأخنوش بهذه “الكارثة الاجتماعية”، وعجزه عن تغطيتها عبر الترويج لـ “التحولات التي أحدثتها الحكومة الحالية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي”، مردُه أساسا إلى أن الأرقام صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، خرجت إلى العلن بتفصيلٍ كفيلٍ بإثبات مسؤولية الحكومة على تنامي أرقام الباحثين عن العمل في الوسطين الحضري والقروي.
ووفق المذكرة الإخبارية الصادرة عن المندوبية، شهر فبراير الماضي، فإن معدل البطالة على المستوى الوطني ارتفع من 11,8 في المائة نهاية سنة 2022 إلى 13 في المائة مع متم 2023، وهو الرقم الأسوأ على الإطلاق منذ سنة 1999، مبرزة أن المعدل انتقل من 5,2 في المائة إلى 6,3 في المائة بالوسط القروي، ومن 15,8 في المائة إلى 16,8 في المائة، بالوسط الحضري.
وجاء في الوثيقة نفسها أن حجم البطالة ارتفع بـ 138.000 شخص، منتقلا من 1.442.000 شخص في سنة 2022 إلى 1.580.000 شخص في سنة 2023، وهو ما يعادل ارتفاعا بنسبة 10 في المائة، ونتج ذلك عن نُمو قدره 98.000 عاطل عن العمل بالوسط الحضري و40.000 بالوسط القروي.
وحسب النوع الاجتماعي، ارتفع معدل البطالة بــ 1,2 نقطة لدى الرجال، لينتقل من 10,3 إلى 11,5 في المائة وبـ 1,1 نقطة لدى النساء، منتقلا من 17,2 إلى 18,3 في المائة، كما ارتفع هذا المعدل لدى حاملي الشهادات بـ 1,1 نقطة، منتقلا من 18,6 إلى 19,7 في المائة، وبـ 0,7 نقطة في صفوف الأشخاص الذين لا يتوفرون على أي شهادة، منتقلا من 4,2 إلى 4,9 في المائة.
وتأكيدا على المسؤولية الراهنة للحكومة، أكدت الوثيقة أن سنة 2023 شهدت زيادة نسبة الأشخاص المُفتقدين للشغل حديثا، حيث ارتفعت نسبة الأشخاص العاطلين عن العمل لمدة أقل من سنة من 31,3 إلى 33,3 في المائة، وانخفض متوسط مدة البطالة من 33 شهرا إلى 32 شهرا، ووجد 27,8 في المائة من العاطلين أنفسهم في هذه الوضعية بعد انتهاء الدراسة أو التوقف عنها و27 في المائة بعد الفصل أو توقف نشاط المؤسسة المشغلة.
وجاء في مذكرة مندوبية التخطيط أن حجم الشغل الناقص خلال الفترة نفسها، انتقل من 972.000 إلى 1.043.000 شخص، حيث ارتفع من 520.000 إلى 560.000 بالوسط الحضري ومن 452.000 إلى 483.000 بالوسط القروي، وهكذا، انتقل معدل الشغل الناقص من 9 في المائة إلى 9,8 في المائة على المستوى الوطني، ومن 8,1 إلى 8,7 في المائة بالوسط الحضري ومن 10,4 إلى 11,6 في المائة بالوسط القروي.
في 14 أكتوبر من سنة 2022، وخلال خطابه أمام البرلمان بمجلسَيه عند افتتاح السنة التشريعية، خصص الملك محمد السادس نصف المدة تقريبا للحديث عن ملف الاستثمار، في ما بدا أنه مُحاكمة علنية للسياسات الحكومية بخصوص هذا الموضوع، الذي تُثبت الأرقام، سنة بعد أخرى، أنه أصبح مُتَفَلِّتاً من يد الحكومة على الرغم من الارتباط الوثيق بين هذا القطاع وبين التشغيل، حتى وإن كان رئيسها بنفسه رجل أعمال، ويتصدر دوريا قوائم “فوربس” لأغنى أغنياء المغرب.
وبشكل مباشر، وضع العاهل المغربي الحكومة والأبناك والمراكز الجهوية للاستثمار أمام مسؤولياتها، مبرزا أن الرهان حاليا ينصب على “الاستثمار المنتج، کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة، لأنها توفر فرص الشغل للشباب، وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية”، وأضاف “ننتظر أن يعطي الميثاق الوطني للاستثمار دفعة ملموسة على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية”.
وفي انتقاد صريح للوضع الراهن، قال الملك إن هذا الأمر يتطلب رفع العراقيل، التي لا تزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات، فالمراكز الجهوية للاستثمار، حسب العاهل المغربي، مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع حتى إخراجها إلى حيز الوجود، وفي المقابل، ينبغي أن تحظى بالدعم اللازم من طرف جميع المتدخلين، سواء على الصعيد المركزي أو الترابي.
وأعلن الملك أنه لتحقيق الأهداف المنشودة، وجه الحكومة، بتعاون مع القطاع الخاص والبنكي، لترجمة التزامات كل طرف في تعاقد وطني للاستثمار، ويهدف هذا التعاقد لتعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.
وبعدها بأيام، وتحديدا يوم 18 أكتوبر 2022، ترأس الملك اجتماعا وزاريا كانت مُخرجاته تعبر عن الحاجة الملحة لتنزيل مضامين الخطاب على أرض الواقع، حين وجه تعليماتٍ للحكومة بتفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، وإضفاء دينامية جديدة على الاستثمار العمومي، بتوجيهه إلى “مشاريع البنيات التحتية والاستراتيجيات القطاعية الطموحة، بما يعزز تنافسية المنتوج الوطني، وتقوية السيادة الوطنية، على المستوى الغذائي والصحي والطاقي”، مستدعيا على عجل وزير الاقتصاد والمالية السابق، محمد بن شعبون، من منصبه سفيرا في فرنسا، لتولي مهام إدارة الصندوق
ويُعبر السحب الضمني لملف الاستثمارات من يد الحكومة، عن درجة عدم الرضا تجاه أدائها في تدبير هذا القطاع، الأمر التي تشهد به أرقام الجهات المختصة، وتحديدا الرقم القياسي للشركات التي أعلنت إفلاسها منذ سنة 2021، والذي تجاوز في المجمل 37 ألف شركة أعلنت وصولها إلى الباب المسدود بشكل رسمي من خلال المسطرة القضائية.
ووفق معطيات مكتب “أنفوريسك”، المتخصص بالمعلومات القانونية والمالية حول الشركات المغربية، فإنه مع متم سنة 2023 أعلنت 14.245 شركة إفلاسها، مقابل حوالي 12.499 شركة سنة 2022، أي بارتفاع قدره 15 في المائة، في حين كانت 10.600 شركة قد أفلست سنة 2021، أي أن الأمر يتعلق بمسار تصاعدي متسارع، يتفوق حتى على الرقم الذي أعلنت عنه المؤسسة نفسها سنة 2022، الموصومة بتفشي جائحة “كوفيد 19” والأزمة الاقتصادية التي رافقتها، إذ حينها كان الرقم في حدود 6700 شركة، وقبلها بعام كان 8400 شركة.
وفي أبريل من سنة 2023، أي بعد 6 أشهر من تحرك الملك لتدارك الأمر، كشف تقرير صادر عن شركة التأمين الدولية “أليانز تريد” أن المغرب احتل الرتبة الرابعة عالميا من حيث الشركات المُعرضة للإفلاس، بعد كل من بولندا وإسبانيا وهنغاريا، بما مجموعه 13 ألف شركة، أي بارتفاع نسبته 5 في المائة عن الرقم المسجل قبل ذلك بعام واحد، وربط التقرير بين ذلك وبين ارتفاع معدل البطالة من جهة، وتراجع الثقة لدى أصحاب الشركات الصغيرة في استمرار استثماراتهم بالمغرب.
أعلنت الحكومة بشكل رسمي، عن إطلاق عملية التسجيل للحصول على دعم إضافي لفائدة مهنيي النقل الطرقي بالمغرب، ابتداء من 8 مارس 2024، في تمديد جديد للقرار الصادر في مارس من سنة 2022 عن رئاسة الحكومة، والذي من المفروض أنه كان يتعلق بإجراء استثنائي بهدف “التخفيف من آثار ارتفاع أسعار المحروقات بالسوق الداخلي بفعل التصاعد المستمر للأسعار دوليا”.
ويمثل هذا الأمر إحدى العناوين العريضة لحالة “التوهان” التي تعيشها الحكومة الحالية، فمن جهة قررت المرور إلى مرحلة “الإعدام” التدريجي لصندوق المقاصة، ورفضت، حتى في الفترة الذي بلغت فيها أسعار المحروقات ذروتها في السوق الوطنية، إعادة الدعم العمومي لهذا المجال بما يُخفف من ضغط الغلاء على المواطنين، ومن جهة أخرى واصلت “تسريب” الملايير إلى “المهنيين” بشكل تحوم حوله العديد من علامات الاستفهام.
ففي أكتوبر من سنة 2023، أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية أن إجمالي ما جرى إنفاقه على عملية الدعم هذه، وصل إلى حوالي 6 مليارات درهم خلال 21 شهرا، في حين أن ميزانية وزارة النقل واللوجيستيك كاملة، وفق وثيقة ميزانية السنة المالية 2024، تصل إلى 10,6 مليارات درهم، ولم تكن تزيد عن 7,6 مليارات درهم سنة 2023.
هذا الرقم يستحق الوقوف عنه، ارتباطا بتعامل الحكومة الحالية بملف صندوق المقاصة، فأرقامها تتحدث عن تقليص المبالغ المخصصة لهذا الصندوق، لتنتقل من 26 مليار درهم في وثيقة الميزانية الخاصة بالسنة الماضية، إلى 16,35 مليار درهم بالنسبة للعام الجاري، بما يغطي بشكل جزئي أسعار القمح والسكر وغاز البوتان، المواد التي سيُرفع عنها الدعم تدريجيا سنة بعد أخرى.
وتُبرر الحكومة تقليص الدعم العمومي على المواد الأساسية بشروعها في صرف الدعم المباشر الذي استهدف في مرحلته الأولى، وفق أرقام رسمية، مليون أسرة قبل متم سنة 2023، بالإضافة إلى مساعيها لتنزيل رؤيتها لـ”الدولة الاجتماعية”، وهو نفسه الدافع الذي تستند عليه للتشبث برفضها إرجاع الدعم العمومي المباشر للمحروقات.
ويرتبط رفع الدعم عن المحروقات بقرار تحرير أسعارها المُطبق منذ سنة 2015، والذي استفادت منه شركات المحروقات بشكل كبير، وفي مقدمتها الفاعل الأول شركة “أفريقيا”، المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، وهي أيضا تتصدر قائمة الشركات التسع التي أدانها مجلس المنافسة، رفقة الجمعية المهنية الممثلة لها، بالتورط في ممارسات احتكارية غير قانونية.
وفي المحصلة فإن 6 مليارات درهم من المال العام، في انتظار تحديث الأرقام، ذهبت لدعم مهنيي قطاع النقل دون أن تمر من صندوق المقاصة، في خطوة ضمنت صمت هؤلاء عن الارتفاع الصاروخي في أسعار المحروقات، من جهة، ومن جهة أخرى حَمت الشركات من أي تسقيف مُحتمل للأسعار، وكل ذلك على حساب المواطن المغربي الذي يملك سيارة أو دراجة نارية، والذي أُخرج من المعادلة تماما.