سياسة

حصاد كروونا: جدل حول دواء “كلوروكين” بين من وصفه بالعلاج السحري و بين من يعارضه

اشتد الجدل في فرنسا حول مدى نجاعة الكلوروكين لعلاج فيروس “كوفيد 19”. وانقسمت المواقف بين مساندين لهذا الدواء “المعجزة”، الذي يستخدم في علاج وباء الملاريا منذ أكثر من خمسين سنة، ويباع بثمن معقول، وبين من يرى أن فعاليته الطبية لم تثبت لغاية الآن رغم الاختبارات التي قام بها الدكتور ديدييه راوول بمعهد المستشفى – الجامعي للأمراض المعدية بمرسيليا.
و بعد الجدل القائم،زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الخميس(9 أبريل 2020) مدينة مرسيليا الساحلية جنوب فرنسا للقاء البروفيسور ديدييه راولت المدافع عن استخدام عقار الهيدروكسيكلوروكينن لمعالجة مرضى فيروس كورونا المستجد بهدف الاطلاع على مستجدات البحث عن علاج، وفق ما أعلن الإليزيه.
وجرى استقبال الرئيس الفرنسي في المعهد الاستشفائي الجامعي (إي أش أو ميديتيرانيه) حيث يعمل البروفيسور راولت، ودام اللقاء حوالي ثلاث ساعات ونصف. هذا وأثار البروفيسور راولت، عالم الفيروسات البارز جدلا داخل المجتمع العلمي الفرنسي لإصراره على أن دواء الكلوروكين المضاد للملاريا يمكنه التغلب على فيروس كورونا المستجد.
و تأتي زيارة ماكرون بعد أن احتدم الجدل في فرنسا وفي دول أوروبية أخرى حول فعالية وجدوى استخدام مادة الكلوروكين لمعالجة فيروس كورونا المستجد الذي لا يزال يحصد يوميا آلاف الأرواح حول العالم.
فبينما قرر الدكتور ديدييه راوول، الأخصائي في مجال الأمراض المعدية ومدير معهد المستشفى – الجامعي للأمراض المعدية في مرسيليا (جنوب فرنسا) استخدامه لمعالجة المصابين بهذا الفيروس الفتاك، انتقد المجلس الأعلى للصحة الفرنسي هذا الخيار بحجة أن فاعليته لم تثبت لغاية الآن وأن قلة قليلة جدا من المرضى أجري عليهم الاختبار”.

من جهته وفي خطوة لتخفيف الجدل، دعا وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران إلى “عدم استخدام الكلوروكين إلا في “الحالات الطارئة والأكثر خطورة فقط”.
ما هو دواء الكلوروكين؟
يعتبر دواء الكلوروكين الذي يباع في الأسواق تحت مسمى “نيفاكين” غير غريب على الأطباء المختصين في مقاومة الأوبئة.
فلقد شاع استخدامه منذ أكثر من نصف قرن في العالم، لا سيما في القارة الأفريقية وفي عدد من دول أمريكا اللاتينية لمعالجة الملاريا وبعض الأمراض المعدية الأخرى مثل مرض “لايم”. وهو غير مكلف.
كما ينصح كل مسافر إلى هذه المناطق (أفريقيا وأمريكا اللاتينية) استخدام هذا الدواء، وتناوله بغرض تجنب الإصابة بالملاريا.
تم الاعتماد على الكلوروكين في 1949. وهو دواء يقوي نظام المناعة للإنسان بحيث يجعله يتصدى لأمراض وأوبئة مثل حمى المستنقعات (الملاريا) ويقاوم الألم والحمى والالتهابات… وأعراضه الجانبية على المرضى معروفة من قبل الأطباء. ولجأت منظمة الصحة العالمية ومنظمات طبية غير حكومية أخرى، مثل أطباء بلا حدود إلى استخدامه لعلاج المصابين بوباء الملاريا في كثير من مناطق العالم.
وتعد الصين من بين البلدان الأوائل التي اختبرت الكلوروكين لمعالجة المصابين بفيروس كورونا في بداية شهر شباط/ فبراير الماضي.
وحسب غزو نانبينغ، نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، أسفرت عملية اختبار مادة الكلوروكين على 135 مصابا بفيروس كوفيد 19 عن نتائج جيدة جدا، مظهرة أن الحالة المرضية للمصابين لم تتدهور أكثر بعد تناول هذا العقار.
من يدافع عن فكرة استخدام الكلوروكين في فرنسا؟
يعتبر المتخصص في الأمراض المعدية ديدييه راوول، الذي يعمل في معهد المستشفى – الجامعي للأمراض المعدية بمدينة مرسيليا من بين المدافعين الأوائل والبارزين لاستخدام عقار الكلوروكين لعلاج المصابين بفيروس كورونا. وقال هذا المعهد في بيان صحفي نشر في 22 شباط/ فبراير الماضي إنه: “في إطار الانتشار العام لفيروس “كوفيد 19” في فرنسا والعالم ووفقا لقسم “أبقراط” ولواجباتنا كأطباء، قررنا الشروع في اختبارات طبية واسعة النطاق لتشخيص المصابين بفيروس كورونا وتقديم دواء الكلوروكين لهم”. وأضاف “نحن نعلم جيدا أن الكلوروكين كان فعالا في المختبر ضد هذا الفيروس وهذا ما أكدته التجارب التي أجريت في الصين”، منوها أن هذا “الدواء لا يكلف شيئا”.
ورغم شخصية ديدييه راوول المثيرة للجدل، إلا أنه حصل على دعم من قبل مسؤولين سياسيين كثيرين على غرار رئيسة منطقة مرسيليا “إيكس-مرسيليا-بروفانس” مارتين فاسال التي أصيبت بفيروس “كوفيد 19” والتي يتم حاليا معالجتها في معهد المستشفى – الجامعي للأمراض المعدية في مرسيليا.
وكتبت في تغريدة على حسابها على تويتر: “أدعم بشكل كامل الدكتور ديدييه راوول وأفراد طاقمه الطبي، الذين يحاولون توسيع مجال استخدام الكلوروكين لمعالجة المرضى. نحن نعيش في حالة حرب طبية ولا يمكن الانتظار أكثر لأن تفشي الوباء في تزايد مستمر”.
نفس الدعم قدمته النائبة في الحزب الجمهوري المعارض فاليري بواييي لديدييه راوول. فيما تساءلت عن مغزى القرارات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية للحد من انتشار الفيروس، وفي مقدمتها الحجر المنزلي المفروض على الفرنسيين ومدى فعاليته إضافة إلى موقف الحكومة من الدواء الذي اقترحه ديدييه راوول لمعالجة المصابين بفيروس كورونا.
من ناحيته، دعا رئيس بلدية نيس الساحلية كريستيان إستروزي، المصاب هو أيضا بفيروس كورنا، بمنح الثقة للطبيب ديدييه راوول.
وقال في تغريدة: “أنا أثق في الدكتور راوول. أبحاثه كلها تبعث على الأمل والنتائج إيجابية. أدرك أن هناك جدل، لكن كما قال إيمانويل ماكرون، نحن في حالة حرب ولا نملك الوقت الكافي لاختبار هذا الدواء على الفئران خلال ستة أشهر”.
شخصيات سياسية أخرى بينهم عمدتا مدينتي “كان” و”أنتيب” الساحليتين وكذلك عضو مجلس الشيوخ برونو روتايو وشخصيات طبية مختلفة أعلنت عن دعمها لمبادرة ديدييه راوول لكون: “الوقت غير كاف لترك الأوساط الأكاديمية للقيام بالتحاليل اللازمة لمعرفة ما إذا كان دواء الكلوروكين ناجعا أم لا”.
من هم ضد استخدام دواء الكلوروكين؟
حذرت منظمة الصحة العالمية في 23 مارس من الأخطار التي يمكن أن تترتب عن استخدام الكلوروكين لمعاجلة فيروس كورنا طالما أن المتخصصين في مجال الصحة لم يثبتوا فعاليته العلاجية، كما عبرت عن خشيتها أن يثير “آمالا” واسعة و”زائفة”.
و في السويد أوقفت المستشفيات العلاج باستخدام عقار الكلوروكين الخاص بعلاج الملاريا على مرضى فيروس كورونا المستجد بعد ورود تقارير عن تسببه بآثار جانبية خطيرة من بينها تشنجات، وفقدان الرؤية المحيطية، والصداع النصفي في غضون أيام من تناول العقار.
كما تسبب عقار الكلوروكين أيضا لأحد المرضى من المتعاطين للعلاج بحدوث نبضات غير منتظمة لعضلة القلب إما بسرعة كبيرة أو بطيئة، مما يؤدي إلى حدوث نوبة قلبية قاتلة.
ويقول أحد المرضى السويديين بفيروس كورونا إنه خضع للعلاج بعقار الكلوروكين وكان يتناول قرصين في اليوم بعد تشخيصه بالمرض في 23 مارس، مشيرا إلى أنه بدأ يعاني تشنجات وفقدان في الرؤية المحيطية مصحوبا بصداع خلال أيام من تناوله الدواء.

من جهتها، وبالرغم من قولها بأن “التجارب التي يخوضها الدكتور ديدييه راوول تبعث على الأمل” إلا أن الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية سيبيت ندياي أعلنت أن “فرقا طبية جديدة ومستقلة تماما عن فريق ديدييه راوول الطبي ستشرع في القيام بتحاليل على نطاق واسع لمعرفة مدى جدوى الكلوروكين في معالجة فيروس “كوفيد 19”. كما دعت إلى توخي “الحذر لأننا لا نملك أي دليل بأن هذا الدواء يشفي المصابين”.
وإلى ذلك، أوصى أيضا المجلس الأعلى الفرنسي للصحة، الذي يعود إليه الرئيس إيمانويل ماكرون في مثل هذه المواقف، بعدم اللجوء إلى الكلوروكين إلا في “حالات قصوى وبعد صدور إذن جماعي من قبل المجلس”.
فيما أفاد عدد من الأطباء المختصين أنه من الصعب الوصول إلى خلاصة بأن الكلوروكين دواء ناجع، لأن البحوث الطبية التي أجرها معهد المستشفى – الجامعي للأمراض المعدية في مرسيليا لم تشمل سوى عشرين شخصا، فضلا عن افتقادها للمنهجية الضرورية في مثل هذه الحالات.
وهذا ما قاله تقريبا المسؤول الثاني في وزارة الصحة الفرنسية البروفسور جيروم سالمون، إذ أكد أن العديد من “الخبراء يحذرون ويدعون إلى المزيد من الدراسات لمعرفة الآثار التي يمكن أن تترتب بعد تناول هذا الدواء”.
من ناحيته، رفع جون بول جيرو، عضو في الأكاديمية الفرنسية للطب وأحد المختصين في علم الصيدلة النقاب عن بعض الآثار السلبية للكلوروكين، أبرزها اضطراب الجهاز المناعي والمغص المعوي ومشاكل في الكبد وحتى في الدم….
هل الكلوروكين دواء واعد؟
دول كثيرة عبر العالم بدأت تنظر إلى الكلوروكين على أنه قادر على شفاء المصابين بفيروس كورونا. وفي مقدمتها الولايات المتحدة حيث أشاد الرئيس ترامب بالباحث الفرنسي ديدييه راوول و”بالأخبار المثيرة للغاية”. وقال ترامب في مؤتمر صحفي “ليس لدينا ما نخسره. أعتقد أنه يمكن أن يكون مغيرا للعبة أو ربما لا”، مشيرا أن هذا الدواء سيكون متاحا “على الفور تقريبا”.
وإلى ذلك، أعلن قائد طائرة يعيش في الإمارات العربية المتحدة، يدعى فانسون، في حديث لجريدة “لوباريزيان” أنه “استطاع الشفاء من “كوفيد 19” بواسطة الكلوروكين.
وقال لنفس الجريدة: “في البداية كنت مترددا في تناول دواء الكلوروكين خاصة وأنني كنت أتابع النقاش الذي كان يدور حول هذا الدواء في فرنسا. لكن بعد أن فكرت قليلا قبلت أن أعالج بالكلوروكين خاصة وأننا نعرف هذا الدواء الذي يباع منذ زمن طويل وندرك أعراضه الجانبية”.
كما قررت دول أخرى مثل الجزائر، المغرب، الصين، إيطاليا وتونس ودول خليجية أخرى استخدام دواء الكلوروكين لأنه ببساطة لا يوجد لغاية الآن علاج أفضل منه. فهل سيضع هذا الدواء حدا أمام تفشي “كوفيد 19”. الجواب ربما سيأتي في الأيام القليلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى