كل ما يجب معرفته عن “التضخم” وعلاقته بالاقتصاد والنفط
أدت سلسلة الصدمات السلبية التي حدثت على مدى السنوات الأربع الماضية إلى الشعور بالهلع من موجات تضخم عالية في حقبة ما بعد جائحة كورونا. وبعد الانهيار العالمي في بداية الجائحة في أوائل عام 2020، بدأ التضخم العالمي في الارتفاع في وقت لاحق من العام مع انتعاش الطلب، وزيادة الاختناقات في جانب العرض، وارتفاع أسعار النفط. وزاد ارتفاع التضخم في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا مع ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية وتعطل الإمدادات مجددًا.
ومنذ يوليوز من عام 2022، بدأ التضخم العالمي في التراجع على نحو مطرد. وتشير توقعات الخبراء، وتوقعات التضخم المستندة إلى الأسواق المالية، واستطلاعات المستهلكين، والتقديرات المستندة إلى نماذج محددة إلى الاتجاه نفسه، ألا وهو تراجع التضخم العالمي. وبناء على هذا التوافق في الآراء، تتوقع الأسواق المالية الآن أن تقوم البنوك المركزية الكبرى بخفض أسعار الفائدة في النصف الأول من العام المقبل. وبناءً عليه، هل انتهى الهلع من موجات التضخم العالية؟
تشير جميع العوامل الأساسية للتضخم إلى أن التضخم العالمي يجب أن يتراجع في الأشهر المقبلة نظراً لأن الطلب العالمي آخذ في الانخفاض، فضلاً عن تراجع تعطل الإمدادات، وانخفاض أسعار السلع الأولية، وبقاء السياسات النقدية المتشددة . والتضخم متزامن وشائع بدرجة كبيرة بين البلدان، مما يعني ضمنا أن هذه العوامل ستؤدي على الأرجح إلى خفض معدلات التضخم في جميع أنحاء العالم.
ومن المتوقع أن يتراجع الطلب العالمي في السنة القادمة في ظل تشديد الأوضاع المالية، وضعف التجارة العالمية، ومحدودية المساندة المالية. وتمثل العوامل المرتبطة بالطلب العالمي نحو 30% من التباين في معدلات التضخم (الشكل 4). ومع تباطؤ النشاط العالمي، سيتضاءل أثر هذه العوامل، المرتبطة بالطلب، على التضخم.
ومن المتوقع أيضاً أن يسهم تراجع الضغوط على جانب العرض عالمياً في انخفاض التضخم العالمي. وقد تراجعت هذه الضغوط في الآونة الأخيرة إلى أدنى مستوياتها التاريخية بسبب الضعف واسع النطاق في تجارة السلع وتراجع تعطل الإمدادات التي حدثت في وقت الجائحة. وعلى الرغم من أن أسواق العمل لا تزال محدودة، تراجعت فرص العمل الشاغرة تدريجياً، وكان نمو الأجور متواضعاً بشكل عام في الولايات المتحدة وبعض بلدان الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
وبعد أن انخفضت أسعار النفط بنسبة 17% خلال العام المنصرم، من المتوقع أن تواصل الانخفاض في عام 2024 حيث يؤدي ضعف النمو العالمي إلى خفض الضغوط على جانب الطلب. وتلعب أسعار النفط دوراً غاية في الأهمية في زيادة التضخم العام العالمي، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال المستجدات والتطورات التي أعقبت الجائحة. والواقع أن تحركات أسعار النفط تمثل نحو 40% من التقلبات في معدلات التضخم.
هناك سببان رئيسيان على الأقل يلزمانا بتوخي الحذر بشأن وتيرة تراجع التضخم في المستقبل: 1احتمال حدوث صدمة تضخمية ناجمة عن التوترات الجيوسياسية، 2واستمرار الضغوط التي أبقت التضخم الأساسي مرتفعاً.
والانخفاض الأخير في معدل التضخم علامة مبشرة، ولكن من السابق لأوانه الاحتفاء بذلك. ولا تزال هناك مخاطر يمكن أن تبطئ تراجع معدلات التضخم أو تدفعها إلى الارتفاع. ونظراً لأن معدلات التضخم تتزامن على مستوى العالم، فإن عودة معدلات التضخم إلى الزيادة في بلدان الاقتصادات المتقدمة يمكن أن تضر أيضاً ببلدان الاقتصادات النامية.