قصة كفاح و ثورة ملك وشعب الى الاعلان عن وثيقة المطالبة بالاستقلال و ذكرى 11 يناير
يعتبر تاريخ 11 يناير من الأحداث البارزة والراسخة في تاريخ الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية. تاريخ أُعلن فيه عن الانتفاضة الأقوى والخطوة الأهم نحو الانعتاق من قبضة الاستعمار الفرنسي عبر تقديم وثيقة مطالبة رسمية للسلطات الفرنسية بالاستقلال موقعة من طرف ثلة من مناضلي الحركة الوطنية وجيش التحرير والمقاومين.
وكتبت المملكة المغربية، خلال المرحلة الاستعمارية، مسارا مقاومة حافل بالمحطات بقيادة بطل التحرير الملك الراحل محمد الخامس. فمر من الانتفاضات الشعبية إلى خوض المعارك الضارية بالأطلس المتوسط وبالشمال والجنوب، إلى مراحل النضال السياسي كمناهضة ما سمي بالظهير الاستعماري التمييزي في 16 ماي 1930، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحيـة والمستعجلـة في 1934 و1936، فتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944.
واستمرارا في مسار الكفاح هذا؛ انبثقت شرارة المطالبة بالاستقلال بدل الإصلاحات، حينما اغتنم المغفور له الملك محمد الخامس فرصة انعقاد مؤتمر أنفا التاريخي في شهر يناير 1943 لطرح قضية استقلال المغرب وإنهاء نظام الحماية، مذكرا بالجهود والمساعي التي بذلها المغرب من أجل مساندة الحلفاء في حربهم ضد النازية وفي سبيل تحرير أوروبا من الغزو النازي، وهذا ما أيده الرئيس الأمريكي آنذاك “فرانكلان روزفلت” الذي اعتبر أن طموح المغرب لنيل استقلاله واستعادة حريته طموح معقول ومشروع.
هذا الانتقال من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال- الذي شكل تحولا نوعيا في طبيعة ومضامين المطالب المغربية- كان له أثر بالغ على مسار العلاقات بين سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية وبين الحركة الوطنية. فتكثفت الاتصالات واللقاءات بين القصر الملكي والزعماء والقادة الوطنيين من طلائع الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، وبرزت في الأفق فكرة تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بإيحاء من المغفور له الملك محمد الخامس.
بعد ذلك؛ شرع الوطنيون في إعداد الوثيقة التاريخية بتنسيق محكم مع الملك الراحل محمد الخامس وتوافق على مضمونها. فكان يشير عليهم بما تمليه حنكته السياسية من أفكار وتوجهات كفيلة بإغناء الوثيقة التاريخية والحرص على تمثيلها لكافة الفئات والشرائح الاجتماعية وأطياف المشهد السياسي في البلاد.
وبعد الصياغة النهائية لهذه الوثيقة؛ تم تقديمها إلى الإقامة العامة، فيما سُلمت نسخ منها للقنصليات العامة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وأرسلت نسخة منها إلى ممثلية الاتحاد السوفياتي آنذاك. وتضمنت الوثيقة جملة من المطالب السياسية والمهام النضالية، تمثلت في شقين.
تعلق الشق الأول منها بالسياسة العامة وما يهم استقلال المغرب تحت قيادة ملك البلاد الشرعي سيدي محمد بن يوسف، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنطي (الأطلسي) والمشاركة في مؤتمر الصلح. أما الثاني فهم السياسة الداخلية عبر الرعاية الملكية لحركة الإصلاح وإحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالشرق تحفظ فيه حقوق وواجبات كافة فئات وشرائح الشعب المغربي.
وكانت وثيقة المطالبة بالاستقلال- أو كما تسمى أيضا بيان 11 يناير- في سياقها التاريخي والظرفية التي صدرت فيها، ثورة وطنية بكل المعاني والمقاييس عكست تشبث الشعب المغربي بالعرش العلوي، وتشبث الإثنين باستقلال البلاد، وكذا وعي المغاربة ونضجهم وأعطت الدليل والبرهان على قدرتهم وإرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم وعدم رضوخهم لإرادة المستعمر وإصرارهم على مواصلة مسيرة النضال التي تواصلت فصولها بعزم وإصرار في مواجهة النفوذ الأجنبي إلى أن تحقق النصر المبين بفضل ملحمة العرش والشعب المجيدة.