حين يُغلق باب الحوار.. تُفتح أبواب الاحتقان: التشجيع الرياضي بين الإقصاء و تهميش الفاعلين الحقيقيين

في الوقت الذي كان من المفترض أن تتحول لقاءات مهمة تناقش واقع مهم و المغرب مقبل على تظاهرات كروية قارية و عالمية، اختار بعض المسؤولين سلوك درب الأبواب المغلقة، لمحاولة مناقشة قضايا التشجيع الرياضي بمعزل عن مكوناته الحقيقية والفاعلة. فبدل الانفتاح على جمعيات المجتمع المدني، ممثلي الإعلام، وروابط “الالتراس”، لجأوا إلى اجتماعات باردة ومغلقة، خالية من الروح والمصداقية، لا تنتج سوى مزيد من التوتر والاحتقان.
ما حدث خلال مباراة “الديربي” البيضاوي نهاية الأسبوع المنصرم بين الوداد والرجاء، حين قررت فصائل الالتراس مقاطعة اللقاء، ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو إنذار صارخ وموقف احتجاجي عميق ضد ما اعتبروه قرارات فوقية وغير تشاركية من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. هذه المقاطعة، التي خلفت مدرجات صامتة في أكثر المباريات شغفاً، كشفت أن التشجيع الرياضي لا يمكن اختزاله في مقاربة أمنية أو إدارية ضيقة، بل يحتاج إلى فهم سوسيولوجي عميق لديناميات الجمهور وهويته المتجذرة.
“لسنا غوغاء ولا مثيري شغب، نحن أصحاب رسالة وهوية. حين نقاطع، فنحن نحتج، وحين نُقصى من الحوار، نُفكر في أساليب أقوى لإسماع صوتنا. لسنا ضد الوطن، بل نرفض أن يُستغل الشغف لتصفية الحسابات أو تمرير قرارات بعيدة عنا”، يقول أحد أعضاء فصائل الالتراس، في تصريح خاص” لفاس24″ يلخص حجم الغضب والاحتقان داخل صفوف الجمهور.
إن تهميش الفاعلين الحقيقيين في صناعة الفرجة، وعلى رأسهم روابط “الالتراس”، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الشرخ بين الجمهور والمؤسسات الرياضية. فالمسؤول الترابي أو المنتخب الجماعي او المقاربة الأمنية، مهما كانت نواياه، قد لا يدرك جيداً تعقيدات الثقافة الجماهيرية، ولا نبض المدرجات، ولا ما يرمز إليه “التيفو” و”الشانت” من رسائل ومواقف.
“نحن نناقش قضايا التشجيع داخل قاعات الاجتماعات، بينما الحقيقة موجودة في المدرجات في المؤسسات التعليمية في الاحياء التي تنبض بعشق المستديرة في لقاءات الالتراس. لا أحد فينا يفهم تماماً ما يحرك جمهور الالتراس، وهذا هو الخلل الذي يتكرر”، يقرّ مسؤول جمعوي في تصريح خاص “لفاس24″، طلب عدم ذكر اسمه، في اعتراف واضح بفشل المقاربة المعتمدة حالياً.
والمغرب، وهو على مشارف تنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم، لا يمكنه أن يتحمل تبعات مقاربات إقصائية أو ترقيعية. بل أصبح لزاماً تكثيف اللقاءات التواصلية، و الانفتاح على جميع المكونات و القطع مع مقاربة الاقصاء وخلق منصات حوار مفتوح، وإشراك كل الفاعلين من إعلام، مجتمع مدني، روابط المشجعين، وأجهزة أمنية، لصياغة تصور شامل وواقعي لمستقبل التشجيع الرياضي بالمملكة،حنى تكون مدرجات ملاعبنا عند الحدث المنشود لتقديم صورة حضارية عن المغرب الذي يتسع للجميع مغرب حوار الثقافات و الديانات و تقارب الشعوب.
المقاربة الناجعة اليوم هي تلك التي تعتمد على التأطير القبلي، الدعم المؤسساتي المنظم، والاعتراف بدور الالتراس كشريك وليس كخطر. فبدون جمهور واعٍ، مؤطر، ومتحمس، لن تنجح لا البطولة الوطنية ولا الطموحات القارية.
في الختام، حين يُقصى الصوت الحقيقي من طاولة النقاش، تُفقد الثقة، ويتحول الانتماء إلى مرارة، والتشجيع إلى احتجاج. لقد آن الأوان لفتح الأبواب، و القطع مع القرارات الخاوية على عروشها كما فرغت مدرجات الديربي البيضاوي من الجمهور المشتعل.