سياسة

بايتاس… وزير الشعارات لا الحقائق! خرَجاته تُغذي الغضب الشعبي وتُعمّق أزمة حكومة أخنوش

في لحظة يغلي فيها الشارع المغربي من غلاء الأسعار، وضعف الخدمات، وتراجع الثقة في المؤسسات، يخرج علينا الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، بخطاب أقرب إلى التسويق منه إلى الحقيقة.
يتحدث بلغة الأرقام اللامعة والإنجازات الضخمة، فيما الواقع في الميدان يصرخ بعكس ذلك تماماً. خرجاته الإعلامية، بدل أن تُطفئ نار الاحتقان، أصبحت تشعلها أكثر، وتؤكد أن الرجل لا يصلح أن يكون ناطقاً باسم حكومة، ولا حتى مسؤولاً يعي ما يجري في الشارع المغربي.

قال بايتاس في مقابلة إعلامية حديثة إن الحكومة الحالية وقعت “أكبر عدد من الاتفاقيات الاجتماعية في تاريخ المغرب”، وإن الحد الأدنى للأجور بلغ “10.000 درهم في القطاع الخاص” و”4.500 درهم في القطاع العام”،و جاء أمس ليتراجع على تصريحاته مباشرة وهو ما يؤكد أنه يعيش إرتباك حقيقي وجب عليه مغادرة الحكومة لآنه يسيء الى الممكلة .
لكن حين يُسأل العاملون في قطاع التعليم الأولي، يظهر حجم الفجوة المهولة بين خطاب الوزير وواقع الناس. فالمربيات والمربون – الذين يشكلون النواة الأولى لتنشئة الأجيال – يتقاضون بالكاد 3.000 درهم شهرياً في أحسن الأحوال، بلا حماية اجتماعية، ولا عقود دائمة، ولا حتى احترام إنساني لجهدهم.

أين هي “الزيادات التاريخية” التي يرددها بايتاس؟ وأي مغرب يتحدث عنه؟
مغربي يعيش في القصص الحكومية لا يشبه في شيء مغرب الفقر والهشاشة الذي يعيشه الناس في الأحياء والقرى.

بينما يتباهى الوزير بالأرقام، يعيش العاملون في التعليم الأولي على الهامش. مربيات يحملن على أكتافهن مستقبل الأطفال، مقابل أجور لا تكفي حتى لتغطية كلفة المواصلات والطعام.
هؤلاء لا يملكن أي تغطية صحية، ولا حماية قانونية، ولا استقرار مهني.
واقع أشبه بالاستعباد العصري، تُغطيه الحكومة بخطابات تلميع سياسي لا علاقة لها بالواقع.

الخطير أن هذه الفئة لا تعمل في إطار الوظيفة العمومية رغم أن الوزارة اسمها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة! فهل أصبحت المدرسة العمومية تُدار بمنطق “الخواص”؟ وهل هذا هو “الإصلاح” الذي وعد به أخنوش في برنامجه الحكومي؟

المشرفون التربويون والمكونون الإقليميون يعيشون المأساة نفسها: يتنقلون يومياً بين المؤسسات التعليمية، يواكبون، يؤطرون، يرفعون التقارير، ومع ذلك لا يتجاوز دخلهم حدود الهشاشة.
هؤلاء من يُفترض أنهم الضامن لجودة التعليم، لكن الدولة تعاملهم كمتطوعين بلا قيمة، بينما الوزير يُغرق الشاشات بخطاب “الإصلاحات الكبرى”.

إنها مفارقة مغربية بامتياز: الحكومة تتحدث عن “تنمية التعليم”، بينما تتخلى عن أولئك الذين يصنعون التعليم فعلاً.

الناطق الرسمي باسم الحكومة بات نموذجاً للمسؤول الذي يغذي الاحتقان بدل امتصاصه.
كل خرجة إعلامية له تثير موجة سخط جديدة، لأنه يتحدث من برج سياسي عاجي، بعيد عن واقع الناس.
فحين يعجز الوزير عن التواصل الصادق، يتحول الخطاب إلى استفزاز.
وحين يصبح “الناطق الرسمي” منفصلاً عن نبض الشارع، يتحول إلى عبء على الحكومة ورئيسها.

اليوم، الجميع يرى أن بايتاس واحد من الأسباب التي جعلت حكومة عزيز أخنوش تفقد توازنها.
اختيارات فاشلة، وجوه غير مؤهلة، ووزراء بلا كفاءة تواصلية. النتيجة: حكومة تعيش “رجّة داخلية” غير مسبوقة، تتخبط بين التبريرات وتلميع الصورة.

ما لم تفهمه هذه الحكومة بعد هو أن المغاربة لم يعودوا يؤمنون بالبلاغات الرسمية.
فالإصلاح لا يُقاس بعدد التصريحات، بل بمدى تحسن حياة الناس.
المدرسة العمومية لا يمكن أن تنهض بأطر مُهمشة، ولا يمكن للكرامة أن تُبنى فوق عقود مهينة ورواتب هزيلة.
إن الاستثمار في التعليم الأولي هو استثمار في المستقبل، لكن ما يجري اليوم هو إفلاس سياسي وأخلاقي.

بايتاس ليس مجرد وزير يخطئ في التقدير، بل هو صوت حكومة فقدت صلتها بالواقع.
تصريحاته تكشف عمق العزلة بين السلطة والمجتمع، وتفضح ضعف رؤية حكومة أخنوش التي اختارت الولاء الحزبي على الكفاءة.
فمن يتحدث باسم الناس يجب أن يفهم وجعهم، لا أن يسخر منهم بالأرقام.

لقد آن الأوان لأن تدرك الحكومة أن المغرب لا يُدار بالتصريحات، بل بالمسؤولية والصدق.
أما بايتاس، فالأجدر به أن يلتزم الصمت، لأن كل كلمة جديدة منه تعمّق الشرخ بين الدولة والمواطنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى