قضايا

الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تتعقب شبكات غسل الأموال في العقار

كشفت مصادر مطلعة أن مصالح المراقبة التابعة للهيئة الوطنية للمعلومات المالية رفعت من وتيرة تحرياتها بخصوص أنشطة مشبوهة يُشتبه في ارتباطها بتبييض الأموال، وذلك من خلال شراء مشاريع عقارية متعثرة سبق أن كانت موضوع حجوزات تحفظية من طرف البنوك، بسبب عدم سداد القروض العقارية من طرف مالكيها الأصليين.

ووفق المعلومات التي حصلت عليها الجريدة الإلكترونية “فاس24′”، فقد رصدت الهيئة عمليات مالية مثيرة للريبة، همّت شركات حديثة النشأة لم يتجاوز عمر أقدمها السنتين، ومع ذلك سجلت هذه الشركات تدفقات مالية كبيرة على حسابات بنكية مشتركة (comptes courants d’associés)، موزعة على أكثر من بنك، مع تسجيل وتيرة مرتفعة للإيداع والسحب عبر الشيكات والكمبيالات، ما يثير الشكوك حول مصدر الأموال المتداولة.

وذكرت المصادر ذاتها أن تصريحات بالاشتباه وردت عن مسؤولين بوكالات بنكية، قادت مصالح الهيئة إلى فحص دقيق للحسابات الجارية المرتبطة بهذه الشركات، التي تبين أنها استهدفت مشاريع عقارية صغيرة متمركزة في ضواحي المدن الكبرى، وغالباً ما تكون قريبة من أحياء شعبية معروفة.

التحقيقات كشفت أن مسيري الشركات المعنية لم يسبق لهم تأسيس شركات أو ممارسة أنشطة تجارية واضحة، كما أنهم تجنبوا التفاوض المباشر مع البنوك المالكة للمشاريع المتعثرة، والتي وصلت إلى مراحل متقدمة من المنازعات القانونية مع المنعشين العقاريين الأصليين. وفضل هؤلاء شراء المشاريع بعد “تطهيرها” من الحجوزات والرهون، من خلال اتفاقيات تم تفويتها عبر موثقين، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول قانونية المسارات المالية المتبعة.

وفيما تم تحديد هويات المتورطين الرئيسيين في هذه العمليات، تستمر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية في تنسيق جهودها مع عدد من المؤسسات المالية والرقابية، بهدف تعقب مسارات الأموال والتحقق من وجود أي ارتباطات إجرامية محتملة، خاصة أن بعض الصفقات أنجزت بأسعار فاقت بكثير القيمة السوقية الحقيقية لتلك المشاريع، ما يُعزز فرضية “تبييض أموال” مقنّع في شكل استثمارات عقارية.

وتخضع هذه العمليات، في الظاهر، لأطر قانونية تعتمد على هندسة الديون والتفويت الجزئي، مثل عمليات شراء الحصص، المخارجة بالأصول، وتقسيط القروض والكمبيالات، وهي آليات تبدو قانونية في ظاهرها، لكنها، بحسب المراقبين، قد تُستعمل كـ”واجهة” لإضفاء الشرعية على مصادر أموال مجهولة أو مشبوهة، عبر خدمات محاسبة واستشارات قانونية متخصصة.

وفي سياق متصل، أشارت ذات المصادر إلى أن تعثر المشاريع العقارية لا يقتصر فقط على المشاكل المالية، بل يشمل أيضًا إخفاقات تقنية وإدارية، مثل عدم مطابقة البناء للمواصفات ومنع إصدار تصاريح السكن (Permis d’habiter)، إضافة إلى خلافات قضائية مع شركات البناء أو إفلاس بعض المقاولات بسبب ارتفاع تكاليف المواد وأجور العمال.

كل هذه العوامل، تؤكد مصادرنا، تشكّل أرضية مثالية لتحركات مشبوهة تستغل الثغرات القانونية والتعقيدات الإدارية، من أجل تدوير أموال غير نظيفة تحت غطاء الاستثمار العقاري، ما يجعل هذه القضية إحدى أخطر الملفات المفتوحة أمام هيئة المعلومات المالية، والتي قد تكشف خلال الأشهر المقبلة عن شبكة تبييض أموال متشابكة المصالح والأذرع، داخل عالم العقار المغربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى