القضايا الاجتماعية في المغرب الى أين؟: ملف شامل عن: التعليم والصحة والعدالة المجالية والحوار ومبادرات التنمية

ملف الأحد من إعداد: عبدالله مشواحي الريفي
تشكل قضايا الشأن الاجتماعي في المملكة المغربية حجر الزاوية في مسيرة التنمية الشاملة، حيث تتداخل ملفات التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية والحوار المجتمعي ومبادرات التنمية الاجتماعية لتشكل نسيجًا معقدًا من التحديات والفرص. وفي سياق الديناميكية المتسارعة التي يشهدها المجتمع المغربي، تبرز الحاجة الماسة إلى تحليل معمق لهذه القضايا وتقييم الجهود المبذولة لتحقيق تقدم ملموس يلبي تطلعات المواطنين ويعزز أسس دولة الرعاية الاجتماعية.
الحوار الاجتماعي: اختبار حقيقي في ظل أجواء سياسية متوترة
يُعقد يوم الثلاثاء المقبل حوار اجتماعي حاسم في المغرب، يأتي في ظل أجواء سياسية متوترة وقرب موعد الانتخابات التشريعية لعام 2026. هذا الحوار يكتسب أهمية خاصة، إذ يُنظر إليه على أنه اختبار حقيقي لقدرة الأطراف الاجتماعية على التوصل إلى توافقات تخدم مصلحة الوطن والمواطنين، في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.
تتزامن هذه الدورة من الحوار مع نقاشات حادة حول تنزيل قانون الإضراب، الذي يثير جدلاً واسعًا بين النقابات العمالية والحكومة. بينما تسعى الحكومة إلى تنظيم ممارسة حق الإضراب بما يضمن عدم تعطيل المرافق الحيوية، تخشى النقابات من أن يؤدي القانون إلى تقييد هذا الحق الدستوري.
من جهة أخرى، يظل ملف التقاعد معقدًا، في ظل التحديات المالية التي تواجه صناديق التقاعد. وتعتبر النقابات العمالية أن أي إصلاح يجب أن يحافظ على حقوق المتقاعدين ومكتسباتهم، بينما تسعى الحكومة إلى ضمان استدامة هذه الصناديق على المدى الطويل. وفي ظل الأوضاع الحالية، يبدو تمرير قانون التقاعد بمثابة مهمة صعبة.
تأتي هذه التحديات في سياق سياسي حساس، حيث تتزايد المنافسة بين الأحزاب السياسية استعدادًا للانتخابات التشريعية. وتخشى النقابات من أن تستغل الحكومة الحوار الاجتماعي لتحقيق مكاسب سياسية، أو لتمرير قوانين مثيرة للجدل قبل الانتخابات.
في هذا السياق، يطالب المراقبون بضرورة إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية، وتجنب أي استغلال سياسي للحوار الاجتماعي. ويشددون على أهمية التوصل إلى توافقات متوازنة تضمن حقوق العمال وتحافظ على الاستقرار الاجتماعي.
التعليم: رهان المستقبل وتحديات الجودة والملاءمة
يظل قطاع التعليم في المغرب محط اهتمام بالغ، باعتباره قاطرة التنمية البشرية والرافد الأساسي لتزويد سوق العمل بالكفاءات القادرة على المساهمة في بناء اقتصاد تنافسي. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتوسيع قاعدة التعليم وتعميمه، لا تزال هناك تحديات جوهرية تعيق تحقيق الجودة المنشودة والملاءمة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
تتجلى أبرز هذه التحديات في ارتفاع نسب الهدر المدرسي، خاصة في المناطق القروية، وضعف جودة المناهج والبرامج التعليمية في بعض المستويات، ونقص التجهيزات والبنيات التحتية الملائمة في العديد من المؤسسات التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، يظل التفاوت الكبير بين التعليم في القطاعين العام والخاص، وبين المناطق الحضرية والقروية، مصدر قلق يستدعي تدخلات عاجلة لضمان تكافؤ الفرص لجميع المغاربة.
في المقابل، تشهد الساحة التعليمية مبادرات واعدة تهدف إلى تجاوز هذه المعوقات. يتمثل أبرزها في تفعيل القانون الإطار للتربية والتكوين، الذي يضع رؤية استراتيجية لإصلاح شامل للقطاع يرتكز على تحقيق الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص. كما تبرز جهود وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في تطوير المناهج، وتأهيل الأطر التربوية، وتوسيع نطاق التعليم الأولي، وتعزيز التعليم التقني والمهني لتلبية حاجيات سوق العمل.
الصحة: بين توسيع التغطية وتجويد الخدمات
يمثل قطاع الصحة تحديًا آخر ذا أولوية قصوى في الأجندة الاجتماعية المغربية. فبينما حققت المملكة تقدمًا ملحوظًا في توسيع التغطية الصحية الأساسية، لا تزال هناك فوارق كبيرة في الولوج إلى الخدمات الصحية بين مختلف الفئات والمناطق. ويعاني القطاع من نقص في الموارد البشرية المتخصصة، وتوزيع غير عادل للمؤسسات الصحية، وطول المواعيد في بعض التخصصات، وارتفاع تكاليف العلاج في القطاع الخاص.
في هذا السياق، يشكل تعميم التغطية الصحية الشاملة “AMO الشامل” خطوة تاريخية نحو تحقيق العدالة الصحية وضمان حق جميع المغاربة في الحصول على الرعاية الصحية اللائقة. ويتطلب إنجاح هذا الورش الملكي الضخم تضافر جهود جميع الفاعلين، من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدني، لضمان توفير البنيات التحتية اللازمة، وتأهيل الموارد البشرية، وترشيد الإنفاق، وتجويد الخدمات المقدمة.
العدالة الاجتماعية: معركة مستمرة ضد الفوارق والإقصاء
تظل معضلة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية من أبرز التحديات التي تواجه المغرب. فبينما يشهد الاقتصاد الوطني نموًا ملحوظًا في بعض القطاعات، لا يزال توزيع الثروة غير متكافئ، وتعيش فئات واسعة من المجتمع تحت عتبة الهشاشة والفقر. ويتجلى ذلك في ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وضعف الدخل في بعض المناطق، وصعوبة الولوج إلى الخدمات الأساسية.
لمواجهة هذه التحديات، تبنت الحكومة المغربية العديد من البرامج والمبادرات الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية والحد من الفوارق. من بين هذه المبادرات، برنامج “تيسير” للدعم الاجتماعي للأسر المعوزة، ومبادرات دعم التشغيل الذاتي، وبرامج محاربة الفقر والهشاشة. ومع ذلك، يبقى من الضروري تعزيز هذه الجهود بسياسات هيكلية تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام يخلق فرص عمل لائقة ويضمن توزيعًا أكثر عدالة للثروة.
مبادرات التنمية الاجتماعية: استراتيجيات للنهوض بالفئات الهشة
تتبنى المملكة المغربية العديد من المبادرات والاستراتيجيات القطاعية التي تهدف إلى النهوض بالفئات الهشة وتحسين ظروفها المعيشية. من بين هذه المبادرات، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تعتبر ورشًا ملكيًا استراتيجيًا يهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وتحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية، وتعزيز الأنشطة المدرة للدخل.
بالإضافة إلى ذلك، هناك برامج أخرى تستهدف فئات محددة، مثل الأشخاص في وضعية إعاقة، والأطفال في وضعية صعبة، والنساء ضحايا العنف، وكبار السن. ويتطلب تحقيق الأهداف المنشودة من هذه المبادرات تضافر الجهود بين مختلف القطاعات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وضمان التنسيق والفعالية في تنفيذ البرامج وتقييم أثرها.
آفاق التنمية الاجتماعية: نحو نموذج مغربي أكثر شمولية وعدالة
إن تحقيق تنمية اجتماعية حقيقية وشاملة في المغرب يتطلب تبني رؤية استراتيجية متكاملة ترتكز على تعزيز الاستثمار في الرأسمال البشري، وتحسين جودة الخدمات الأساسية، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي، ومحاربة جميع أشكال التمييز والإقصاء. كما يستلزم الأمر تعزيز الحكامة الجيدة والشفافية في إدارة الشأن العام، وإشراك المواطنين والمجتمع المدني في صنع القرارات وتنفيذها.
إن التحديات الاجتماعية في المغرب معقدة ومتعددة الأوجه، ولكن في المقابل، هناك إرادة سياسية متزايدة وعمل دؤوب من قبل مختلف الفاعلين لتحقيق تقدم ملموس في هذا المجال الحيوي. ويتطلب ذلك استمرار الإصلاحات الهيكلية، وتعبئة الموارد اللازمة، وتعزيز التنسيق والتعاون بين جميع الأطراف المعنية، من أجل بناء مغرب أكثر عدالة وإنصافًا وازدهارًا للجميع.