الطبقة الوسطى في المغرب.. ركيزة تتآكل تحت ضغط الأعباء الاقتصادية

رغم ما حملته البرامج الحكومية من وعود بدعم الطبقة الوسطى وتوسيع قاعدتها، إلا أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفه البلاد في السنوات الأخيرة أفرز ديناميات مقلقة تُنذر بانكماش هذه الفئة، التي لطالما اعتُبرت صمّام أمان للاستقرار المجتمعي والاقتصادي.
فبينما تُعَدّ الطبقة الوسطى إحدى أعمدة الاقتصاد الوطني، لما تُمثله من قوة استهلاكية ومحرك للاستثمار الداخلي ومساهم أساسي في تمويل منظومة الحماية الاجتماعية، باتت اليوم تعاني من تآكل تدريجي في قدراتها الشرائية، في ظل تصاعد تكاليف المعيشة وتفاقم الأعباء الجبائية.
يُجمع عدد من المتتبعين على أن الطبقة المتوسطة تؤدي كلفة مضاعفة في معادلة غير متوازنة: فهي تدفع الضرائب بشكل منتظم ومباشر، من ضريبة الدخل إلى الضريبة على القيمة المضافة، لكنها في المقابل لا تستفيد بشكل كافٍ من الخدمات العمومية في مجالات الصحة والتعليم والنقل، ما يُجبرها على اللجوء إلى القطاع الخاص، وهو ما يُمثل ضريبة إضافية غير معلنة.
وفي غياب نظام جبائي منصف يُراعي العبء العائلي ومستوى الإنفاق على الضروريات الأساسية، تجد هذه الفئة نفسها في موقع هش، خاصة أمام الأزمات المفاجئة أو الزيادات غير المتوقعة في أسعار المواد والخدمات، من قبيل المحروقات والتعليم الخصوصي وأسعار العقار.
لا تنتمي الطبقة الوسطى إلى كتلة واحدة متجانسة، بل تتوزع على ثلاث مستويات متباينة من حيث الدخل والقدرة على الادخار والإنفاق. هناك من يقف بالكاد عند عتبة الكفاف، وآخرون يعيشون حالة من الترقب الدائم لأي طارئ قد يهدد توازنهم المالي، ما يجعل استقرارهم الاجتماعي معلقًا على خيط رفيع.
التهديد الأكبر الذي يواجه هذه الفئة لا يكمن فقط في فقدان جزء من دخلها الحقيقي، بل في خطر انزلاقها إلى الطبقات الهشة، بفعل غياب سياسات عمومية فعالة تضمن لها الحماية الاجتماعية والضريبية الكافية.
تشير تحليلات الخبراء إلى أن إنقاذ الطبقة الوسطى يتطلب مراجعة شاملة للسياسات الجبائية والاجتماعية، عبر إقرار آليات جديدة لدعم الأسر، سواء من خلال “شيكات التمدرس” و”شيكات العطل”، أو من خلال توسيع نطاق التعويضات العائلية وتكييفها مع تكاليف الحياة الفعلية.
كما تبرز الحاجة إلى سياسة ضريبية تأخذ بعين الاعتبار وضع الأسرة لا الفرد فقط، وتُعيد النظر في العبء الجبائي المفروض على نفقات التعليم والصحة، حتى لا تظل هذه الفئة رهينة لمعادلة غير عادلة تؤدي فيها أكثر مما تستفيد.
ورغم تعهدات الحكومة بإحداث طبقة وسطى فلاحية وتوسيع الطبقة الوسطى الحضرية، إلا أن المؤشرات الميدانية تُبيّن أن هذه الأهداف لا تزال بعيدة عن التحقق، في ظل غياب إجراءات عملية ناجعة واستمرار تآكل الدخل الحقيقي للأسر المتوسطة.
إن بقاء الطبقة الوسطى قوية ومتماسكة ليس ترفاً اقتصادياً، بل ضرورة لضمان التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي وتحقيق التنمية المنشودة. ولذلك، فإن أي سياسة تنموية جادة لا يمكن أن تُبنى إلا على أسس تحمي هذه الفئة وتمنحها ما تستحقه من عدالة واعتراف.






