التعليم في المغرب: تحديات التحول بين القطاعين العام والخاص وتأثيراته الاجتماعية

في تقريره الأخير، سلّط المجلس الأعلى للتربية والتكوين الضوء على التحديات التي تواجه نظام التعليم في المغرب، خاصة في ما يتعلق بتطور مؤسسات التعليم الخاص والازدواجية بين التعليم العمومي المجاني والتعليم الخاص المؤدى عنه. هذه الازدواجية، حسب التقرير، تسببت في خلق فجوات كبيرة بين النظامين، مما أثر سلبًا على تحقيق الأهداف المنشودة للنظام التعليمي.
التقرير الذي حمل عنوان “المدرسة الجديدة” أشار إلى القلق المتزايد لدى التلاميذ والأسر بشأن جودة التعليم العمومي وقدرته على تأهيل الطلاب لمواصلة التعليم والاندماج في سوق العمل. ولفت إلى أن هذه الفجوة بين المدارس العامة والخاصة، وكذلك بين مسارات التعليم العالي المفتوح والمحدود، أسهمت في زيادة التفاوتات الاجتماعية والعلمية في المجتمع المغربي، ما أثار العديد من التساؤلات حول فعالية الخدمة العمومية في هذا المجال.
كما تناول التقرير مسألة البرامج الدراسية المشتركة بين القطاعين العام والخاص، مشيرًا إلى أنها لا تكفي وحدها لتوحيد النظام التعليمي. إذ يتطلب الأمر توافقًا أكبر في الأهداف والمناهج التربوية بين القطاعين، محذرًا من الانشطار التدريجي الذي قد يهدد وحدة المنظومة التربوية الوطنية.
من جانب آخر، أشار التقرير إلى تأثير المؤسسات التعليمية الأجنبية التي بدأت تنافس أو تحل محل المدارس الوطنية، مما يعزز من التحديات التي تواجه الحفاظ على وحدة المنظومة التربوية في المغرب. في هذا السياق، أكد التقرير أن تنوع العرض التربوي قد يضيف قيمة إلى النظام التعليمي، لكنه في الوقت ذاته يتطلب تقييمًا دقيقًا للآثار السلبية التي قد تترتب عليه، سواء من حيث التفاوتات الاجتماعية أو التأثير على النجاح الأكاديمي والتمازج الاجتماعي.
كما شدد التقرير على أهمية الترابط بين جميع مكونات المنظومة التربوية، مشيرًا إلى ضرورة اعتماد سياسات عامة شاملة تتعامل مع جميع جوانب التربية والتكوين، مع التركيز على الإصلاحات الضرورية لنجاح المنظومة التعليمية.
وفي ختام التقرير، أكد المجلس الأعلى للتربية والتكوين أنه يسعى إلى إعادة تركيز النقاش حول “المدرسة الجديدة”، مشيرًا إلى التأخر الكبير الذي شهدته السياسات العمومية في تطبيق توصيات الرؤية الاستراتيجية ومقتضيات القانون الإطار 51.17. ودعا إلى تكامل أفضل بين السياسات القطاعية للتربية والتكوين، معتبرًا أن تحقيق هذا التناسق يمثل الشرط الأساسي لتجديد النظام التربوي، وأكد على أهمية أن تكون قضية التربية والتكوين موضوعًا لمشاورات وطنية واسعة تضم جميع الأطراف المعنية.
يظل هذا التقرير مرجعية هامة في النقاش المستمر حول تحديات التعليم في المغرب، ويمثل أرضية لفتح حوار شامل بهدف تحسين المنظومة التربوية وضمان تكافؤ الفرص لجميع التلاميذ.