سياسة

بنكيران يوجه مدفعيته لاخنوش في تقرير أسود اصدره “البيجيدي” الذي ينبعث من الرماد

كشف تقرير سياسي لحزب العدالة والتنمية، عرضه خلال لقاء مجلسه الوطني الاخير، عن العديد من التعثرات والأعطاب التي تعاني منها حكومة عزيز أخنوش، على مستوى تدبير الشأن العام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتدني مستوى الأداء البرلماني من قبل الأغلبية، وإخلاف الحكومة للعديد من الوعود الانتخابية والبرنامج الحكومي.

يقول تقرير “البيجيدي”، أن الحكومة وأغلبيتها جعلت من المؤسسات المنتخبة مؤسسات شكلية عاجزة عن التواصل السياسي المسؤول، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فضلا عن كونها منتجة للأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتتالية، ومتخبطة في مسلسل توقيفات ومتابعات ومحاكمات متتالية وغير مسبوقة لمنتخبيها وطنيا وترابيا، وأصبحت تشكل عبئا مكلفا على الدولة وعلى المجتمع، وتحتاج في كل مرة للتدخل لإنقاذها من مخلفات تأخرها في اتخاذ القرارات اللازمة، وفي سياساتها الفاشلة وأزماتها المتلاحقة، آخرها الكارثة الوطنية غير المسبوقة في تاريخ التعليم ببلادنا والمتمثلة في شل كل المؤسسات التعليمية لعدة شهور وبروز شبح سنة بيضاء.

وأكد التقرير أن العنوان الأبرز للحالة السياسية العامة، هو التراجع والتردي السياسي والحزبي الذي تشهده البلاد في ظل حالة من فقدان المصداقية السياسية، وعدم قدرة الحكومة على مواجهة الانتظارات والاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة، وقصور تفاعلها مع الغلاء الفاحش الذي لم يسجل مثله منذ عقود في أسعار المواد الغذائية، وفي ظل غياب حكومة مسؤولة وقوية ومبادرة تحس بآلام المواطنين وتنصت لمعاناتهم وانتظاراهم، وتسعى لإيجاد الحلول المناسبة، إلا أن مسارها وعملها وأغلبيتها بالبرلمان، وبالجماعات الترابية، يسير للأسف في الاتجاه المعاكس، الذي يضعف قدرة بلادنا على التصدي الفعال للتحديات الداخلية والخارجية، ويهدد بفقدان رصيد ما تحقق بفضل الأوراش الإصلاحية والتنموية الكبرى.

وحسب التقرير، فإن الواقع “يكشف فشل الحكومة في تدبير مصالح المواطنين وحماية قُفَّتِهِم، وهروبها إلى الأمام في ظل ضعف سياسي واضح سقط معه شعار حكومة الكفاءات وتحول إلى حكومة الهواة، وسط العجز عن مواجهة الرأي العام، وغرق الأغلبية المصطنعة في دوامة الاحتجاجات المتلاحقة والمعلنة في قطاعات حيوية للخدمة العمومية، كالتعليم والصحة والجماعات المحلية… مما أنتج حالة فقدان الثقة في الحكومة وعدم الرضى عنها بشكل غير مسبوق منذ ما يفوق 15 سنة، وتغذى معه الاحتقان الاجتماعي ووتيرة الاحتجاجات وتغيرت طبيعتها وقيادتها”.

وبخصوص الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية، رصد التقرير استمرار تكريس منطق زواج المال بالسلطة وتضارب المصالح واستغلال النفوذ ومواقع المسؤولية الذي ميز هذه الحكومة، مما أدى إلى انحسار الاستثمار الوطني باستثناء الاستثمارات المرتبطة ببعض أعضاء التحالف الحكومي، مع تراجع الاستثمارات الأجنبية وارتفاع عدد مناصب الشغل المفقودة ومعها عدد المقاولات المفلسة، كما يبقى المؤشر الجلي لهذا الوضع المتردي هو تفاقم موجة الغلاء التي تشمل معظم المواد، الغذائية منها على وجه الخصوص، وفشل الحكومة الذريع في التخفيف عن المواطنين وقصور أدوات التدخل الحكومي في الحد من الارتفاع المهول والمستمر للأسعار، مما جعل الخيار الوحيد أمام المواطنين هو تقليص نفقاتهم والحد من الحاجيات الأساسية، بعد أن تركوا فريسة للوضعيات الاحتكارية والجشع، وحالة التخبط الحكومي أمام جماعات المصالح، وخاصة العاملة في قطاع المحروقات وسلاسل الوساطة والتصدير.

وانتقد التقرير تزايد التطبيع مع تضارب المصالح بشكل كبير في ظل التدبير الحكومي الحالي، وترك المواطنين فريسة للوبيات المصالح والمضاربة والجشع، منتقدا فوز فروع شركات تابعة للمجموعة الاقتصادية التي يملكها رئيس الحكومة بصفقة مشروع تحلية ماء البحر في الدار البيضاء، وخطورة تنازع المصالح والجمع بين المال والنفوذ السياسي، وبغض النظر عن مدى احترام المساطر والشروط التنافسية والقانونية والإدارية في تخويل هذه الصفقة، إلا أن هذا الفوز يطرح شبهات كبيرة وإشكالا جوهريا سياسيا وأخلاقيا، باعتبار أن الحكومة تعمل تحت سلطة رئيسها، وأن الإدارة موضوعة تحت تصرفها، وأنها تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية، وعليه، كان الأجدر برئيس الحكومة أن لا تشارك شركاته في هذه الصفقة أصلا، وأن يكتفي بالقطاعات الاقتصادية الكبيرة التي يسيطر عليها، وذلك بالنظر لوضعه القانوني والاعتباري، وللمقتضيات الدستورية المرتبطة بالحكامة الجيدة وبالمخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وبالقانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.

وأشار إلى عدم انخراط الأغلبية الحكومية في تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول شبهات استيراد وتصدير النفط الروسي، بعد تهرب الحكومة من المسؤولية وعدم تفاعلها بالتوضيح اللازم والمسؤول بالمعطيات والوثائق حول ما تداولته منصات مالية دولية مختصة ومنابر إعلامية ذات مصداقية عن وجود تلاعبات في وثائق استيراد شركات مغربية للنفط الروسي والأثمان المصرح بها، وعدم تأثير ذلك على ثمن البيع للعموم في السوق الوطنية، وتسجيل حالة تصدير هذا النفط، وعدم تطبيق الحكومة للتوصيات الأولى لمجلس المنافسة الصادرة في 21 غشت 2022، حول الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات، قبل صدور قراره الأخير الصادر في 23 نونبر 2023، والذي أكد الممارسات المنافية للمنافسة لشركات المحروقات.

وسجل التقرير، انتشار فضائح الفساد المالي والتدبيري في العديد من الجماعات الترابية وتوالي المحاكمات بها، في ظل استمرار نهج جديد على مستوى الجماعات الترابية قائم على تضارب المصالح واستغلال النفوذ والرغبة في مراكمة الثروات على حساب مصالح المواطنين، وهو ما أفرز حالات التصدع والتفتت في مختلف الأغلبيات المسيرة للجماعات الترابية، وأسهم في تعطيل وتوقيف العديد المجالس الجماعية والمصالح الحيوية للمغاربة، كما أن نسبة النمو سنة 2023 بلغت 3.4 %، حيث تتوقع الحكومة تحقيق نسبة نمو 3.7 % في السنة الجديدة، ما يعني أن تحقيق هدف 4 % أصبح بعيد المنال، لأن هذا النمو غير منتج لفرص الشغل، لكون الاقتصاد الوطني فقد بين الفصل الثالث من سنة 2022 والفصل من 2023، حوالي 297 ألف منصب شغل، في مقابل وعدت الحكومة بخلق مليون منصب شغل على الأقل خلال 5 خمس سنوات، مشيرا إلى أن أرقام مندوبية التخطيط تؤكد ارتفاع حجم البطالة بين الفصل الثالث من سنة 2022 ونفس الفصل من سنة 2023 بـ 248.000 شخص (+181.000  عاطل بالوسط الحضري، و+67.000 بالوسط القروي)، ليبلغ عدد العاطلين على المستوى الوطني، 1.625.000 شخص، وانتقل معدل البطالة من 11.4 % إلى 13.5 % على المستوى الوطني.

وحذر بن كيران من خطورة المقاربة التجزيئية وغير الواضحة في تعاطي الحكومة مع ورش إصلاح صندوق المقاصة ارتباطا بورش تعميم الحماية الاجتماعية، وهو ما يدعو إلى تبني مقاربة شمولية وواضحة تراعي مختلف فئات المجتمع، وفي مقدمتها الطبقات الفقيرة والهشة والمتوسطة، وتمكن من سد الباب نهائيا في وجه الريع الذي تستفيد منه شركات الغاز والسكر من صندوق المقاصة، مع اعتماد آلية تسقيف أسعار المواد المتبقي تحريرها والإبقاء عليها ضمن قائمة الخدمات والأسعار الخاضعة للتقنين، مشيرا إلى أن أي إصلاح عادل وشامل لصندوق المقاصة يستوجب توفير مناخ الثقة في القائمين عليه، وأن حالة تضارب المصالح في قطاع المحروقات تطرح الكثير من المخاوف بشأن أي إصلاح مرتقب.

وفي قطاع التعليم، حمل التقرير المسؤولية للحكومة بإدخال المدرسة العمومية ومعها الجامعة في أزمة، بعد فرض خطة جديدة في قطاع التربية الوطنية تحت مسمى “خارطة الطريق 2022-2026″، و”المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار 2030″، في تجاهل تام للقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتهميش المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وكان من أولى نتائج خارطة الطريق هذه، اعتماد نظام أساسي لموظفي التربية الوطنية لا يتضمن تنفيذ الوعود الانتخابية والتزامات البرنامج الحكومي، ونتج عنه توقف الدراسة لشهور، وعوض سحبه لجأت الحكومة إلى المماطلة دون اعتبار لمستقبل 7 ملايين تلميذ، وهو ما سيخلف أثارا وتداعيات تتجاوز ما يظهر من نتائج بيداغوجية وتربوية آنية، كما سجل حالة من العبث والاستهتار بعد اعتماد ما سمي “مخطط جديد لتسريع تحول منظومة التعليم العالي 2030” بشكل انفرادي ومنفصل عن واقع الجامعة، وإلغاء العديد من المؤسسات الجامعية، وإلغاء نظام “الباشلور”، واعتماد إصلاح بيداغوجي يفتقد للشرعية القانونية ولا يعتمد على أي تقييم موضوعي، وبدون إشراك الأساتذة وهياكل المؤسسات الجامعية.

واتهم التقرير الحكومة بالتقصير في معالجة مشكل الجفاف والأثار السلبية له وعدم اتخاذ إجراءات استباقية مبكرة منذ توليها المسؤولية، معتبرا أن المجهودات العمومية والمالية الكبيرة، لم تحقق الغرض منها في دعم الفلاحين المتضررين، والتخفيف عن المواطنين بسبب المنهجية التي تعتمدها الحكومة، بالتركيز على طرق صرف تستفيد منها فئات بعينها ولا تبلغ الفعالية والنتائج المطلوبة، وتؤدي إلى إغفال فئة كبيرة ومهمة ومحتاجة من ساكنة العالم القروي من الفلاحين الصغار والمتوسطين، وهي الفئة التي تعاني أكثر من غيرها من الجفاف وتتطلب أكثر من غيرها الاهتمام والدعم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى