اقتصاد

موسم فلاحي على حافة القلق.. تأخر الأمطار يشعل مخاوف الفلاحين ومربي الماشية ومنتجي الزيتون

مع بداية الربع الأخير من السنة الجارية و موسم الخريف، يخيم شبح الجفاف مجدداً على الوسط القروي بالمغرب، بعد تسجيل تأخر مقلق في التساقطات المطرية التي يعوّل عليها الفلاحون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم الفلاحي الحالي. ورغم وعود برامج الدعم وإجراءات التخفيف، إلا أن القلق عاد ليستوطن الحقول والمراعي، فارضاً واقعاً صعباً يهدد الزراعات الخريفية والثروة الحيوانية وسلاسل إنتاج حيوية مثل الزيتون.

تأخر الأمطار ترافق هذه السنة مع ارتفاع مهول في درجات الحرارة خلال الأسابيع الماضية، ما جعل مخاوف الفلاحين تتضاعف. فالمناطق الفلاحية الكبرى مثل دكالة وعبدّة وسهول الغرب وتادلة والرحامنة وسوس، تعيش تحت ضغط الحاجة إلى “الغيث السماء”، الذي أصبح، في نظر الكثيرين، ليس فقط مسألة فلاحية بل قضية اقتصادية واجتماعية تمس استقرار العالم القروي برمته.

غياب التساقطات فاقم تدهور الغطاء النباتي بالمراعي، وهو ما يهدد مباشرة القطيع الوطني في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف إلى مستويات غير مسبوقة، وغياب دعم الشعير المدعّم الذي كان يمتص جزءاً من تكاليف تربية المواشي خلال سنوات الجفاف السابقة.

الكسابة اليوم يرفعون نداء استغاثة. المراعي شبه جافة، والدعم الحكومي متأخر، والأسعار في الأسواق ملتهبة. فتكلفة كيس الشعير أو الأعلاف المركبة ارتفعت بشكل أنهكت القدرة المالية للمربين، مما يهدد موجة جديدة من بيع القطيع بأثمنة بخسة أو ذبح اضطراري مبكر بسبب العجز عن تغذية المواشي.

واستنكر فاعلون مهنيون هذا الوضع، محذرين من خطر تراجع الثروة الحيوانية الوطنية، خصوصاً أن قلة التساقطات هذه الفترة تعني موسماً صعباً قد ينعكس على أسعار اللحوم الحمراء خلال الأشهر المقبلة.

ولم يتوقف القلق عند الفلاحين الصغار ومربي الماشية فقط، بل امتد إلى منتجي الزيتون الذين يعيشون إحدى أصعب المواسم خلال السنوات الأخيرة. فمع تأخر التساقطات، لجأ بعض الفلاحين إلى الجني المبكر خوفاً من ضياع المحصول أو تساقط الثمار، وهو ما سينعكس سلباً على جودة المنتوج وكميات الزيت المستخلصة.

فحسب مهنيين، الزيتون يحتاج إلى أمطار خريفية مبكرة لكي يكمل نضجه ويزيد مخزونه المائي، أما الجني المبكر فهو خيار اضطراري لكنه يقلص المردودية بنسبة قد تصل إلى 40%، ويضعف نسبة الزيت داخل الثمار، ويرفع حموضتها وجودتها.

رغم أن وزارة الفلاحة تتحدث عن برامج للري وإجراءات للتخفيف من آثار الجفاف، إلا أن الفلاحين يعتبرون الأمر مجرد تصريحات دون أثر ملموس في الميدان. فالدعم الموجه للشعير متوقف، والتدخلات ضعيفة، ومشاريع تحلية مياه البحر تبقى محدودة في مناطق معينة ولا تنقذ الموسم الحالي.

كما أن المنازل الفلاحية في القرى تعيش حالة ترقب وقلق، خاصة أن الفلاحة ليست مجرد نشاط اقتصادي بل مصدر عيش رئيسي لأزيد من 3 ملايين أسرة بالمغرب.

الوضع الميداني اليوم يفرض تدخلاً حكومياً عاجلاً وليس مجرد ضمانات على الورق. ومن بين المطالب المستعجلة للفلاحين:

  • إعادة إطلاق برنامج الدعم الاستعجالي للشعير والأعلاف.

  • دعم سلسلة الزيتون لحماية الموسم الحالي وتفادي انهيار الأسعار.

  • توفير قروض فلاحية بدون فوائد لتمكين الفلاحين الصغار من الصمود.

  • تسريع مشاريع السقي الصغير والمتوسط في المناطق المتضررة.

  • إطلاق برنامج مستعجل لحماية القطيع الوطني.

 لا يمكن الحديث عن أمن غذائي ولا عن تنمية قروية في ظل استمرار الاعتماد الكامل على “رحمة السماء”. المغرب اليوم أمام امتحان حقيقي لإعادة هيكلة سياساته الفلاحية، فالجفاف لم يعد استثناءً موسمياً بل تحول إلى واقع هيكلي يفرض التخطيط الاستباقي بدل سياسة رد الفعل. أما الفلاح المغربي، فقد تعب من انتظار الغيث… ومن انتظار الدعم أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى