مقال تحليلي..المشهد السياسي المغربي: إلى أين؟
مقال تحليلي..المشهد السياسي المغربي: إلى أين؟
فاس24 : عبدالله مشواحي الريفي
يظهر من خلال المعطيات الميدانية أن المشهد السياسي في المغرب يعرف الكثير من التحولات والتي يرتقب أن ترخي بظلالها على محطة الانتخابات المقبلة. ولا تقتصر هذه التحولات على قطب دون غيره، إذ إن جل الأقطاب تشهد تغيرات كبيرة من حيث الحضور.
فمن جهة حزب العدالة والتنمية، والذي ينتمي إلى القطب المحافظ ذو المرجعية الإسلامية، يعاني من تراجع كبير في الامتداد والشعبية، مقابل تسجيل حضور في الواجهة لجماعة العدل والإحسان المحظورة.
لقد تأثر حزب العدالة والتنمية بشكل واضح بنتائج عشر سنوات من توليه تدبير الشأن العام، منذ سنة 2012وإلى حدود 2021 وبلغ التأثر ذروته في السنوات الأخيرة من حكومة أمينه العام السابق، سعد الدين العثماني.
وإلى جانب النتائج الهزيلة التي حققها مقارنة مع الرهانات الكبيرة التي كانت وراء منحه أصوات فئات واسعة من الطبقات الوسطى بعد حراك 20 فبراير 2011، فإن توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل كان من القرارات التي أدت أيضا إلى فقدانه لجزء مهم ومؤثر لكتلته الانتخابية المحافظة.
ومقابل هذا التراجع، ظلت جماعة العدل والإحسان حاضرة في الميدان. وتشير عدد من التقارير الإعلامية إلى أن بصمتها واضحة في عدد من المحطات الاحتجاجية المهمة في السنوات الأخيرة. وإلى جانب هذا الحضور، فإن الجماعة واصلت عملها لتوسيع امتدادها الشعبي، خاصة في أوساط الطلبة، وتمكنت من ولوج عدد من القطاعات الوازنة، كقطاع الطب والمحاماة…
وقامت الجماعة مؤخرا بإعلان تحولات كبيرة على مستوى تعاملها مع قضايا الشأن العام، وقدمت منهجية جديدة للعمل توحي بأنها قد تتجه لدخول المعترك الحزبي، لكنها لم تقدم بعد على قرارات حاسمة في هذا الشأن، مع مواصلتها سياسة الاستقطاب بتوجهات الكتمان و التراجع إلى الخلف بعد أن تبين انها طورت اساليب عملها الميداني.
ومن جهة اليسار، يظهر أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم يستطع بعد في ظل القيادة الحالية التي يتزعمها ادريس لشكر من تجاوز تداعيات نتائج المشاركات الحكومية، وقيادة التناوب التوافقي، بعدما ظل في المعارضة لعدة عقود. ودخل الحزب في تراجعات كبيرة على مستوى الامتداد. كما واجه صراعات داخلية صعبة، وانسحابات مكثفة لأطر وقيادات معروفة. وظل الحزب يقوم منذ سنوات بمعارضة محتشمة للحكومة الحالية. ولم ينجح في اعتماد مقاربات جديدة لتجديد دمائه.
ونفس الوضعية يعانيه حزب التقدم والاشتراكية، الحزب الشيوعي الذي غير الكثير من القناعات والتصورات، وظل قريبا في السنوات الأخيرة من حزب العدالة والتنمية، رغم التباعد الإيديلوجي الظاهر بين التوجهين.
ودخل فاعلون يساريون جدد إلى معترك الساحة الانتخابية. ومن أبرزهم الحزب الاشتراكي الموحد، وفيدرالية اليسار الديمقراطي. لكن هؤلاء الفاعلين الجدد الذين كانوا في السابق يعارضون على هامش المؤسسات بتوجهات راديكالية لم ينجحوا في تحقيق تواجد متميز في الساحة.
ورغم التباعد بينهم وبين حزب الاتحاد الاشتراكي، إلا أنهم بدورهم يعانون من تداعيات تجربة اليسار في تولي مسؤوليات حكومية سابقة. كما أنهم يعانون من تداعيات تحولات كبرى لإيديولوجيات اليسار بشكل عام، وهي تحولات عجز اليسار المغربي في حلته التقليدية عن التفاعل معها بالابداع المطلوب.
ويعاني اليسار الجديد من قيود الالتزام بخطاب موغل في الانغلاق ورفض التجديد. كما أنه يعاني تنظيميا من هيمنة الممارسات الحلقية ومن كثرة التصدعات وتعدد وتعقد الخلافات بين مجموعاته، وعجزه على استيعاب خصوصيات التربة المغربية.
أما من جهة أحزاب الوسط، فقد فقدت الكثير من بريقها في المناطق القروية التي كانت من قلاعها. ومن هذه الأحزاب، يبرز حزب الحركة الشعبية. فرغم أن هذا الأخير، قد عمل على إنجاح إعادة تجميع مكوناته في البيت الحركي بعد تشتت واضح، إلا أنه فقد مناطقه لفائدة الأحزاب اللبيرالية والتي تمكنت من ولوج مناطق الأطلس بشكل خاص. ومن هذه الأحزاب، يمكن الإشارة تحديدا إلى كل من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة.
ويقود حزب التجمع الوطني للأحرار الحكومة الحالية، إلى جانب كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال. وتراهن هذه الأحزاب على العودة مجددا إلى الواجهة في الانتخابات القادمة. وما يسعفها في تحقيق حلم العودة، هو أزمات الأحزاب في المعارضة وضعف حضورها ومواجهتها لأوضاع تدهور جلية يدفعها إلى اليقين للعودة عام 2026 ما لم يظهر معطي سياسي جديد.
ومن المرتقب أن يحتدم التنافس بين أعيان هذه الأحزاب لتصدر المشهد. فحزب الاستقلال الذي يظهر أنه يشارك في الحكومة الحالية مع حرص شديد على عدم تحمل مسؤوليات الانتقادات، يطمح للوصول إلى رئاسة الحكومة. ونفس الطموح يساور القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، وقيادة التجمع الوطني للأحرار برئاسة عزيز أخنوش.
ووسط عزوف كبير يرتقب تسجيله، فإن التنافس سيحتدم بين هذا الثلاثي لمواصلة تصدر المشهد. لكن من غير المستبعد أن لا تخرج النتائج الأولى عن نفس الخريطة الحالية. لكن بتوجهات حكومية جديدة، سيكون من أبرز معالمها العمل على أرضية الاقتصاد، بعد استكمال تنزيل برنامج الحماية الاجتماعية.
وسيكون أمام الحكومة الاقتصادية القادمة أن توجه برامجها نحو النهوض بالاقتصاد الوطني، وتأهيل القطاع الصناعي في سياق أصبح فيه القطاع الفلاحي يعاني من أضرار كبيرة مرتبطة بتداعيات جفاف يظهر بأنه أصبح من المشاكل البنيوية، وسيفرض التركيز على تشجيع الاستيراد في كل المجالات التي تهمه.
و في 2026 سيغير المغرب نهجه السياسي من خلال الانتقال من الحكومة الاجتماعية إلى الحكومة الاقتصادية في مجال التصنيع،فيما توالي الجفاف سيتهج إلى استيراد المواد الفلاحية المتنوعة. بينما اعينه كلها على تنظيم كأس العالم وهو البرنامج التنموي و الاستراتيجي لمغرب ما بعد الانتخابات القادمة.