قضايا

المحامي “رضوان أعبابو” يعري تجذبات التعليم الخصوصي في زمن كورونا

قطاع التعليم قطاع حيوي واستراتيجي بالنسبة للدول ، وعندنا في المغرب حسمت السياسات السابقة الأمر بالتوجهرر
نحو خوصصة القطاع وهي في ذلك تحاول إصلاح الأوضاع المالية المختلة التي سبقتها سنوات من الفساد الإداري والمالي وسوء التسيير حتى أصبح المسؤولون عن هذا القطاع الحيوي يرون فيه عبئا على ميزانية الدولة يجب التخلص منه..
لقد رمت الدولة أبناءنا للخواص (أصحاب الشكارة) يتلاعبون بتكوينهم ومستقبلهم كيفما يشاؤون..
بل إن عددا ممن شجع على هذه السياسة كانت له مدارس خاصة ، ومن المسؤولين عن هذه الدولة من حول استثماراته لهذا القطاع بعد أن اتضحت ربحيته المادية الفاحشة وعمل على سن القوانين التي تخدم هذا التصور المصلحي.. في بعض الدول يعتبر سن قوانين للاستفادة منها مع سبق الإصرار جرائم خطيرة يطالها العقاب الجنائي..
الآن هل بإمكاننا طرح مشكل خوصصة التعليم والرجوع به إلى يد الدولة؟
هذا الأمر يبدو من رابع المستحيلات ، وبعيدا عن الواقعية وقد ينعت أصحابه بالمزايدات.. لكن لا بأس من طرحه بكل وضوح وإعادة طرحه مرات متكررة ..هل قدرنا أن نزيد من رهاننا على القطاع الخاص أم أن نتخذ الخطوات الشجاعة والجريئة ونوقف هذه النكبة التي تضرب تعليم أبنائنا..؟
تنسيقيات آباء وأولياء التلاميذ التي اكتوت بنار هذه السياسات بدأت تعبر عن نفاذ صبرها وتنظم نفسها للتصدي لتنكر الدولة من جهة ولجشع المضاربين وسماسرة قطاع التعليم من جهة أخرى ،تستحق منا كل التشجيع والدعم..
على هذه التنسيقيات أن تطرح الأسئلة العميقة وأن تكون أجوبتها حاسمة ، وأن تنتقل من مناقشة الواجبات الشهرية لشهرين أو ثلاثة إلى
مناقشة أزمة التعليم في شموليتها وتحديد موقف نهائي منها ومحاولة الخروج بجواب بسيط هل باستطاعتنا مقاطعة التعليم الخصوصي نعم أم لا ولو اقتضى الأمر سنة بيضاء لأبنائنا؟
إذا لم نجب عن هذا السؤال بوضوح وغلبتنا أنانيتنا وكان جوابنا بطريقة رمادية غير واضحة أو متذبذبة فلا يمكن أن نصل لأي هدف أسمى ..
الكرة اليوم هي في مرمى الشعب وأخص بالذكر آباء وأولياء التلاميذ هل نقبل بالتعليم الخصوصي الذي استنزف الطبقة المتوسطة بدون أفق وبدون ضمانات..ونثور على هذه الفكرة الممعنة في اللامسؤولية ونقدم من أجلها التضحيات اللازمة ،أم أننا نبحث عن حلول ترقيعية نساهم بها في مزيد من الفوضى ونشجع على استمرارية الخطأ.
هذا هو الشق الرئيسي من النقاش والذي يجب أن يحظى بالجهد اللازم من التفكير والحركة..
بالنسبة لتدبير الأزمة الحالية مع القطاع الخاص وما خلفته جائحة كوفيد١٩.
هناك منطلقين أساسيين:
الأول أن التعليم وإن كانت تشرف عليه مؤسسة خاصة فهو يظل مرفقا عاما. وهذا الأمر واضح من زاوية القانون والقضاء الإداريين.
وبالتالي فإن من يستثمر في هذا القطاع يجب عليه أن يعلم أو كان عليه أن يعلم أن هذا القطاع يخضع لضوابط المرفق العام من حيث وجوب استمراريته وإلزامية استفادة الجميع من خدماته بغير تمييز..
كما أن الشروط التعسفية و الإجراءات الشطط تخضع للمراقبة والمعاقبة ..
المنطلق الثاني: الدولة مسؤولة عن حوكمة القطاع ونوظمته وضبطه ..فالعلاقة الرابطة بين المرتفقين والمؤسسات الخاصة، وإن كان ظاهرها علاقة تعاقدية فإنها في الواقع هي علاقة بين مرتفق يطلب خدمة عمومية ومؤسسة خاصة تقدم هذه الخدمة..
إذا ثبت ما سلف وجب القول بأن (أصحاب الشكارة ) المستثمرين في هذا المرفق العام ، يقومون اليوم بابتزاز مضاعف فمن جهة يتعامل بعضهم بصلافة وعنجهية مع أولياء التلاميذ ومنهم من تجرأ على المساس بالمصلحة الفضلى للتلميذ نفسه ووقف في وجه تعليمه..
ومن جهة أخرى يقومون بلي ذراع الدولة ويقدمون أنفسهم كمن ينقذها من ورطة تخليها عن قطاع التعليم ،وأنهم إن توقفوا ستعم الفوضى وأنهم مستعدون للتوقف حالا وهم في ذلك متواطئون تبرق عيونهم قساوة تلك القساوة المعرف بها قطاع التجار عبر العصور..
إن الأمر هنا غاية في التعقيد لدرجة أن وزير التعليم لم يستطع اتخاذ قرار حازم في مواجهتهم وناشد المديريات الآقليمية إبراء وساطات بين أصحاب المؤسسات وأولياء التلاميذ..وهذا لعمري يدل على خطورة المشكل وعمقه..لقد أصبحت السلطة العامة وهيبة الدولة رهينة في يد هؤلاء..
ثم إذا انتقلنا إلى المستوى الثالث الذي هو قانوني بحت،فالقضاء سيقول كلمته حول مسألة الواجبات الشهرية وتحديد الأسعار بناءا على النصوص القانونية المتاحة مدنيا وإداريا..
فنظرية العقد والظروف القاهرة والقوانين المنظمة لمرفق التعليم كلها تصب في اتجاه ومصلحة الطرف الضعيف في العلاقة، والذين هم أولياء التلاميذ والتلاميذ أنفسهم..
لكن المعركة الأساسية لن تكون بالأساس داخل أسوار المحاكم ،بل خارجها لأن محاولة فرض الأمر الواقع وميزان القوى في هذه المرحلة يبدو أنه لازال يرجح مصلحة هاته المؤسسات الخصوصية.
لا مناص من تعبئة عامة وجعل هذا الملف هو أولوية الأولويات النضالية ،لأن تعليم أبناء الشعب في مدرسة عمومية هو بوابة الأمل نحو تعليم يمنح الفرصة للجميع بشكل متكافئ وعلى نحو جيد بعيدا عن الشعور بالتمييز والنفور الذي نزرعه بين أبنائنا والذي لا يمكن أن ينتج إلا مجتمع العنف والكراهية.
ملاحظة لابد منها:
لاشك غن هناك مؤسسات اتخذت بوعي متقد وحس وطني رفيع خطوات في سبيل حلحلة المشكل بإجراء تخفيضات وإعفاءات نسبية في المشاهرات، كما أن هناك أولياء تلاميذ أدوا مشاهراتهم بمنطق تضامني لكن تظل هذه استثناءات لا يقاس عليها.ولاينبغي ترتيب حكمنا انطلاقا منها.
كما أن حديثنا عن التعليم والمؤسسات الخاصة لم نميز فيه بين أسلاك التعليم ومراحله وفضلنا الحديث بشكل عام لعدم التشويش على الفكرة المركزية..
++تحرير: المحامي بهيأة فاس الأستاذ رضوان أعبابو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى