“نوازل” فاس: أسوار تتهاوى ومسؤول “معمّر” يتمسك بالكرسي!

شهدت مدينة فاس، عاصمتها الروحية ودرتها التاريخية، فاجعة جديدة تضاف إلى سجل “النوازل” المتكررة، تمثلت في انهيار جزء من سور عتيق بمنطقة باب فتوح. هذا السقوط المادي لجزء من تاريخ المدينة العريقة لم يكن حادثاً معزولاً، بل هو جرس إنذار جديد يدق ناقوس الخطر حول حالة التدهور المزرية التي تعيشها أسوارها وبناياتها التاريخية مع كل تساقطات مطرية أو هبوب رياح قوية، لتصبح فاس في مواجهة مفتوحة مع عوامل الزمن والإهمال.
في صلب هذا المشهد المأساوي، تتجه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس، وتحديداً إلى مديرها، فؤاد السرغيني. ففي الوقت الذي تتعرض فيه المدينة العتيقة، المصنفة تراثاً عالمياً، لانتكاسات متوالية، يظل المدير “معمّراً” في منصبه، متجاوزاً سن التقاعد بسنوات، في وضع يثير تساؤلات جدية حول منطق التسيير والفعالية في إدارة ورش ملكي حيوي بهذه الأهمية.
لا تقتصر الانتقادات على طول فترة إشراف السرغيني على الوكالة، بل تطال جوهر المشاريع التي يسهر عليها. التقارير والشكاوى تشير بوضوح إلى تعثر عدد كبير من الأوراش المندرجة في برنامج تثمين المدينة العتيقة (الموقع أمام أنظار جلالة الملك في 2018)، وعدم احترام آجال التنفيذ، وحتى سوء تدبير عمليات التتبع والتدبير الإداري (حسب ما ورد في تقارير إعلامية).
هل يمكن أن يُعزى استمرار انهيار الدور والأسوار إلى طبيعة “ترقيعية” لبعض التدخلات؟ وهل تحولت برامج رد الاعتبار إلى “إدارة أجور” كما يصفها بعض المنتقدين، بدلاً من أن تكون قاطرة حقيقية للإنقاذ والحماية؟
إن استمرار المدير في موقعه، رغم كل هذه الإخفاقات والانتقادات المتعلقة بأداء الوكالة، يطرح علامة استفهام كبرى حول آليات المحاسبة والتقييم داخل المؤسسات العمومية، خاصة تلك التي تُعنى بحماية تراث وطني وإنساني.
لقد أثبتت السنوات الماضية، وتكرار حوادث انهيار البنايات والأسوار التاريخية عند كل موسم أمطار أو موجة رياح، أن المدينة العتيقة بفاس باتت هشة للغاية. ما ينهار ليس مجرد حجر وطين، بل هو جزء من ذاكرة الأمة ورمز لحضارة تمتد لقرون.
إن ما يحدث في فاس ليس قضاءً وقدراً مناخياً محضاً، بل هو تراكم لسوء التدبير وغياب الرؤية الاستباقية. لا تكفي التصريحات التبريرية أو محاولة تحميل المسؤولية لعوامل خارجية. الحل يكمن في:
إعادة النظر في القيادة الإدارية: يجب ضخ دماء جديدة وكفاءات شابة قادرة على إدارة مشاريع الترميم والإنقاذ بفعالية وشفافية.
فتح تحقيق معمق: لا بد من افتحاص التدبير الإداري والتقني لـ “وكالة إنقاذ فاس”، وتحديد المسؤوليات عن تأخر وتعثر المشاريع، وترتيب الجزاءات القانونية،مع ضرورة فتح قوس في أسوار شملها التأهيل و لكنها تعرضت للانهيار كما هو الحال على موقع أمس.
تبني استراتيجية مستدامة: الابتعاد عن الحلول “الترقيعية” والتوجه نحو برامج صيانة وترميم معمقة ومستمرة، تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية وضرورة توفير مساكن بديلة للسكان في البنايات الآيلة للسقوط.
فاس تستحق أفضل من هذا المصير. فهل يتحرك المسؤولون قبل أن يجرف سيل الإهمال آخر ما تبقى من أسوارها العتيقة، لتصبح المدينة مجرد أطلال تحكي قصة مجد أضاعته أيادي التقاعس؟






