قضايا

من “ديسكورد” إلى الشارع.. جيل Z يواصل اختبار صبر الحكومة المغربية في اليوم الثامن من الاحتجاجات السلمية

مقال إخباري تحليلي: عبدالله مشواحي الريفي

لليوم الثامن على التوالي، يواصل “جيل زد” (Gen Z) في المغرب تثبيت أقدامه في الشارع، مؤكداً أنه القوة الجديدة التي لا يمكن تجاهلها. لقد تجاوزت موجة الاحتجاجات، التي انطلقت من الفضاء الافتراضي وتحديداً من منصة “ديسكورد” التي يشارك فيها ما يزيد عن 180 ألف شاب، المدن الكبرى (كالدار البيضاء والرباط وفاس وطنجة ومراكش)، لتمتد إلى حواضر ومدن صغيرة أخرى، في مشهد يعكس عمق الأزمة الاجتماعية وشموليتها.

شرارة الغضب: الإهمال يقتل والأرقام تتحدث

لم تكن انطلاقة هذه الاحتجاجات عفوية، بل جاءت نتاج احتقان اجتماعي متراكم، انفجرت شرارته بشكل مأساوي في قطاع الصحة. فاجعة وفاة ثماني نساء في مستشفى الحسن الثاني بأكادير بسبب الإهمال المريع لم تكن مجرد حادثة، بل كانت بمثابة مرآة كشفت عن انهيار المنظومة الصحية وإفلاس خطاب الإصلاح الحكومي. هذا المشهد المأساوي حوّل الغضب الكامن إلى طاقة حركية منظمة في الشارع، ليجد الشباب أنفسهم في مواجهة مباشرة مع فشل تدبير الشأن العام.

سلمية واعية وتنظيم “رقمي” غير مسبوق

لقد نجح هذا الجيل الشاب في فرض معادلة احتجاجية جديدة: السلمية الفائقة في مواجهة الترقب الرسمي.

  • الانضباط الذاتي: لم يُسجّل أي انفلات أو أعمال تخريبية، بعد أن نجح المحتجون في عزل أي عناصر قد تحاول حرف مسار الحركة، ليصبح الشعار الأبرز هو “لا للتخريب”.
  • دور “ديسكورد”: تعتبر المنصة الرقمية هي الأداة التنظيمية السرية والفعالة للحركة، إذ تمكن الشباب من التخطيط والتنسيق اللامركزي للوقفات في مختلف المدن، متجاوزين بذلك الأطر التقليدية (أحزاب ونقابات) التي فقدوا الثقة فيها.
  • مطالب محددة: تمحورت الشعارات حول مطالب جوهرية وعميقة: تجويد قطاعي الصحة والتعليم، توفير فرص الشغل، تحقيق العدالة المجالية (توزيع الثروة والتنمية)، وتنزيه وإصلاح القضاء.

هذا الأسلوب الاحتجاجي المبتكر دفع السلطات إلى التعامل بحذر شديد، حيث ظلت القوات العمومية تراقب الأوضاع عن كثب دون أي احتكاك مباشر، في رسالة ضمنية بقبول حق التعبير السلمي.

صدمة التصريحات ومطلوب إقالة وزراء

إن صلب المشكل اليوم يتركز على فشل الحكومة في أهم قطاعين اجتماعيين: الصحة والتعليم. الشباب يطالبون بـ “قصف المتورطين” في هذا الفشل:

  1. وزير الصحة والحماية الاجتماعية، التهراوي: المطالبة بإقالته باتت مطلباً شعبياً ملحاً، إذ يعتبره الشباب رمزاً لتدهور القطاع الذي أدى إلى فاجعة أكادير.
  2. وزير التربية الوطنية، برادة سعد: أثارت تصريحاته عن “مدارس الريادة” وأن “أوروبا تأتي إلى المغرب لأخذ التجربة” موجة غضب واسعة. لقد اعتُبرت هذه التصريحات بمثابة “ضحك على المغاربة” وتهرباً من الاعتراف بفشل المنظومة التعليمية، ما زاد من منسوب الاحتقان.

هذه المطالب ليست مجرد انتقاد، بل هي محاكمة شعبية لنتائج حكومة لم تنجح في تحسين حياة المواطنين في أهم المجالات.

امتداد دولي ومفترق طرق حاسم

تأكيداً على عالمية مطالب الجيل، شهدت العاصمة الفرنسية باريس أمس الأحد، خروج العشرات من أبناء الجالية المغربية لتنظيم وقفة احتجاجية تحت لواء “جيل زد الخارج”، رافعين نفس الشعارات المطلبية، ما يدل على وحدة الهم الاجتماعي والسياسي للشباب المغربي أينما وُجد.

المغرب اليوم يقف عند مفترق طرق حاسم. على رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن يدرك أن الأزمة تتطلب تدخلاً استعجالياً يتجاوز لغة “البيانات الخشبية”.

الحلول تبدأ بالاعتراف: يجب على الحكومة الخروج بوضوح، الإقرار بتأخر أوراش الإصلاح، والاعتراف بأن المحتجين كانوا بمثابة الناقوس الخطر الذي نبهها لضرورة مراجعة سياساتها. والأهم من ذلك، تنزيل التوجيهات الملكية السامية بربط المحاسبة بالمسؤولية، ومحاربة الفساد “قولاً وفعلاً” وليس عبر “شعارات مأكولة”.

إن الاستجابة الفورية والشجاعة لمطالب “جيل زد” ليست مجرد خيار سياسي، بل هي ضرورة وطنية لامتصاص الغضب وإعادة بناء الثقة المفقودة بين الشباب ومؤسسات الدولة. هل تنجح الحكومة في إطفاء هذه الملفات الحارقة والاستجابة لصوت جيل يطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى