اقتصاد

مشروع قانون جديد يحدث ثورة في التعمير والإسكان.. فهل يحل أزمة التخبط المؤسساتي أم يكرّس تداخل الصلاحيات؟

في خطوة تُصنّف ضمن الإصلاحات البنيوية الكبرى، يستعد المغرب لتفعيل مشروع قانون رقم 64.23، القاضي بإحداث الوكالات الجهوية للتعمير والإسكان، بديلاً عن الوكالات الحضرية القديمة، في مسعى لإرساء نموذج جديد في التخطيط العمراني وتدبير السكن، يتماشى مع التوجيهات الملكية ومقتضيات دستور 2011، خاصة ما يتعلق منها باللاتمركز الإداري والحكامة الترابية.

هذا التحول التشريعي الطموح، الذي جاء عقب توصيات الحوار الوطني حول التعمير والإسكان، يطرح وعوداً كبيرة بإعادة ترتيب خريطة التعمير على المستوى الجهوي، لكنّه في الآن نفسه يثير عدداً من الأسئلة حول نجاعة التنفيذ، وحقيقة استقلالية هذه الوكالات في ظل بنية إدارية معقدة، وتداخل مهام واختصاصات بين مؤسسات الدولة والجماعات الترابية.

القانون الجديد ينص على إحداث 12 وكالة جهوية تحلّ محل 29 وكالة حضرية، مع منحها صلاحيات موسعة تشمل مراقبة البناء، وإعداد التراب، والمشاركة في برامج السكن الاجتماعي. غير أن مراقبين يرون أن توسّع الاختصاصات لا يعني بالضرورة تحقيق النجاعة، خصوصاً في ظلّ غموض يلف العلاقة التنسيقية مع الجماعات الترابية، التي ظلت لسنوات تصدر تراخيص بناء دون الرجوع لمصالح التعمير، رغم الطابع الملزم لرأي الوكالة.

كما أن الجمع بين دور المراقبة وتقديم الرأي في التراخيص يطرح مخاوف من تضارب المصالح، لا سيما وأن بعض مهام هذه الوكالات تشمل تقييم المشاريع الاستثمارية التي تخضع أصلاً لسلطة المراكز الجهوية للاستثمار.

مشروع القانون يقترح مجلس إدارة برئاسة الوزير الوصي، يضم ممثلي السلطات الترابية والمصالح الخارجية للدولة، إضافة إلى شخصيتين “مستقلتين”. غير أن هذه التشكيلة تبدو أقرب إلى إعادة إنتاج لنفس منطق “التمثيلية الإدارية”، بدل توسيع دائرة المشاركة الفعلية للمجتمع المدني أو الفاعلين المستقلين.

والأدهى، أن المشروع لم يحسم بعد في الوضعية القانونية لموظفي الوكالات الحضرية، حيث تحدث عن “نقل المستخدمين” دون تقديم ضمانات واضحة لحقوقهم المكتسبة، ما قد ينذر بصراعات داخلية تعيق الانطلاقة الفعلية لهذه الوكالات.

من بين النقاط المثيرة للجدل أيضاً، منح الوكالات الجهوية صلاحيات “الزجر العمراني”، دون توضيح الوضع القانوني لأطرها، التي لا تحمل صفة الضابطة القضائية. ما يعني أن أي محضر ضبط قد يواجه مستقبلاً خطر الطعن بعدم الدستورية، لخرقه الفصل 122 من الدستور الذي يحدد بوضوح من له صلاحية ممارسة الضبط القضائي.

رغم أن مشروع القانون يقدم نفسه كمحاولة جريئة لحلّ الفوضى التي ميزت تدبير التعمير لعقود، إلا أنه لا يبدو قادراً، في صيغته الحالية، على كسر حلقة التداخل المؤسساتي المزمن، أو ضمان نجاعة فعلية في الميدان، خصوصاً إن لم يواكب بتعديلات موازية لقانون زجر مخالفات البناء، وتحيين النصوص المرتبطة بعمل الجماعات والمراكز الجهوية للاستثمار.

كما تبقى مسائل التمويل، والشفافية في التدبير، وفعالية الرقابة، رهينة بما إذا كانت هذه الوكالات ستتمتع فعلاً باستقلالية حقيقية أم ستكون مجرد أذرع تنفيذية للوزارة الوصية.

الرهان اليوم ليس فقط في إخراج الوكالات الجهوية إلى الوجود، بل في جعلها مؤسسات قادرة على تغيير واقع التعمير بالمغرب، لا أن تتحول إلى كيانات إدارية جديدة تزيد من تعقيد المشهد. فبدون توضيح دقيق للحدود بين الاختصاصات، وتوفير ضمانات الحكامة، واحترام المقتضيات الدستورية، سيظل المشروع ناقص الأثر، ويُخشى أن يتحول إلى إصلاح معلّق فوق الورق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى