اقتصاد

فلاحو بولمان بين الكارثة والتجاهل.. ووزير الفلاحة خارج التغطية

من جديد، يجد الفلاح المغربي نفسه وجهاً لوجه أمام قسوة الطبيعة من جهة، ولا مبالاة وزارة الفلاحة من جهة أخرى. فقد شهدت جماعتي العرجان وتيساف بدائرة أوطاط الحاج بإقليم بولمان، عشية الثلاثاء المنصرم، عاصفة رعدية عنيفة مصحوبة بتساقط كثيف للبرد (التبروري)، خلفت خسائر مهولة في حقول الزيتون وباقي الأشجار المثمرة بسهل أوطاط، لتتحول مساحات شاسعة إلى أطلال في غضون دقائق معدودة.

المشهد كان صادماً: أشجار الزيتون التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي بالمنطقة، دُمرت بشكل شبه كامل، تاركة الفلاحين الصغار في حالة أسى عميق، بعدما ضاع محصولهم الذي يمثل مصدر عيشهم الوحيد. ومع ذلك، لم يخرج وزير الفلاحة عن عادته، إذ اختار الصمت والتجاهل، تاركاً هؤلاء الفلاحين يواجهون مصيرهم المجهول، وكأن معاناتهم لا تعنيه في شيء.

برلمانياً، تعالت الأصوات للمطالبة بتدخل حكومي عاجل. فرق برلمانية مختلفة، من الأغلبية والمعارضة، وجهت أسئلة كتابية إلى وزير الفلاحة حول التدابير الاستعجالية المفترض اتخاذها لإنقاذ الفلاحين المتضررين. لكن التجربة علمت المغاربة أن الوزارة غالباً ما تكتفي بالشعارات الفضفاضة والوعود المؤجلة، فيما يظل الواقع على حاله: فلاحون محطمون، محاصيل مدمرة، ولا أفق واضح للتعويض أو المواكبة.

محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، وصف الكارثة بأنها لم تدمر الموسم الحالي فقط، بل ضربت مستقبل آلاف الأسر التي ستجد نفسها بلا مورد عيش. بينما شدد رشيد حموني على أن غالبية المتضررين هم من صغار الفلاحين الذين ينتظرون تدخلاً استثنائياً ينصفهم ويعيد لهم بعض الأمل. أما الاستقلالي علال العمروي، فقد طالب بتفعيل صندوق تدبير الكوارث الطبيعية لتعويض المتضررين فوراً، مؤكداً أن الوضع ينذر بانفجار اجتماعي إذا تُركت الأسر تواجه المصير وحدها.

لكن السؤال الأهم يظل معلقاً: أين هو وزير الفلاحة؟ ولماذا يكرر نفس سيناريو الغياب كلما داهمت الكوارث الطبيعية الفلاحين؟ أليس من صلب مسؤوليته حماية هؤلاء البسطاء، الذين يشكلون عصب العالم القروي وضمان الاستقرار الاجتماعي؟

لقد أثبتت الوقائع أن القطاع الفلاحي في المغرب هش أمام التغيرات المناخية، وأن الفلاحين الصغار هم الحلقة الأضعف، بينما الوزارة التي يفترض أن تكون سنداً لهم، تكتفي بالفرجة. سيول وفيضانات و”تبروري” يطيح بالمحاصيل، وخسائر بملايين الدراهم، وفي المقابل وزير صامت، يتعامل مع الكوارث وكأنها مجرد تفاصيل عابرة.

إن استمرار هذا التجاهل الرسمي لمصير الفلاحين، سيعمق الفقر والهشاشة في القرى، ويهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي على حد سواء. والمفارقة أن الحكومة لا تتذكر الفلاح إلا حين تريد التباهي بشعارات “المخطط الأخضر” أو “الجيل الأخضر”، بينما الحقيقة في الحقول والقرى تحكي وجهاً آخر: فلاحون يصرخون في صمت، ووزير يكتفي بالاختفاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى