قضايا

“غرفة مكافحة الفساد” بفاس تُصدر أحكاماً صارمة: رؤساء جماعات يدفعون ثمن الاختلاس واستغلال النفوذ

شهدت محكمة الاستئناف بفاس، وتحديداً قسم جرائم الأموال الابتدائي، موجة من الأحكام والقرارات القضائية التي سلطت الضوء بقوة على حالة التدبير المالي والعمومي في عدد من الجماعات الترابية بجهة فاس مكناس. وفيما صدرت أحكام قاسية بالحبس النافذ في حق مسؤولين سابقين وحاليين من أحزاب مختلفة، بقي مصير رئيس نافذ يثير التساؤلات، وهو جواد الدواحي، رئيس المجلس الإقليمي لمولاي يعقوب، الذي تم تأجيل البت في ملفه الجنائي المفتوح رغم تعدد الشكايات.

لقد أثبتت المحكمة عزمها على تفعيل مبدأ المساءلة بلا استثناء، لكن قرارها الأخير بشأن الدواحي، ، كان هو تأجيل البت في ملفه الجنائي. وجاء هذا التأجيل لإتاحة الفرصة له لإعداد دفاعه واستكمال الاطلاع على تفاصيل التهم الموجهة إليه. هذا التريث القضائي في ملف رئيس المجلس الإقليمي، رغم ضخامة منصبه وتاريخ الشكايات المفتوحة في وجهه، يشير إلى أن المعركة القضائية المتعلقة به قد تكون معقدة وطويلة، وربما تكون مؤشراً على أنه “مازال فالتاً” من الفصل النهائي، على عكس زملائه الذين صدرت في حقهم أحكام فورية.

وفي المقابل، كان مصير رؤساء آخرين حاسماً وصارماً. ففي أبرز الأحكام، أدانت المحكمة الرئيس السابق لجماعة ميدلت، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، بسنة واحدة حبساً نافذاً. وقد شمل هذا الحكم نوابه الأربعة ، حيث أدينوا جميعاً بنفس العقوبة، مع إلزامهم بأداء 20 ألف درهم كتعويض مدني للجماعة. هذه الإدانات جاءت على خلفية تهم ثقيلة تتعلق بـ**”اختلاس أموال عامة والتزوير في محرر رسمي واستعماله”**، بالإضافة إلى مخالفات أخرى لضوابط البناء وتقسيم الأراضي.

وفي قضية أخرى بجماعة مولاي يعقوب، أدانت المحكمة الرئيس الحالي للجماعة، ، وموظفاً محلياً، بـستة أشهر حبساً نافذاً، على خلفية تهم “الاختلاس والتبديد والتزوير”. هذه الإدانة جاءت بناءً على شكاية من المعارضة كشفت عن وقائع استغلال مثيرة، من بينها تسخير آليات حفر تابعة للجماعة لفائدة طاقم تصوير فيلم، واستخدام شاحنة الجماعة لخدمة مقاول خاص في إزالة بقايا البناء، وكل ذلك تم “بدون أي سند قانوني”. كما وجهت إليهم تهم بـهدم نافورة أمام ضريح محلي وتبديد أموال مخصصة لشراء التبن والشعير.

من جهة أخرى، شهدت الجلسة قرارين بالبراءة يبعثان برسالة عن دقة القضاء في التمييز بين المسؤولية الجنائية. فقد برأت المحكمة محمد لعيدي، الرئيس السابق لجماعة مولاي يعقوب ، في ملف جديد كان يتابع فيه بتهم مماثلة لخلفه، وذلك بعد أن كان يوشك على إنهاء عقوبة حبس سابقة. كما صدرت أحكام بالبراءة في حق الرئيس السابق لجماعة سيدي داود ونوابه من تهم الاختلاس والارتشاء. هذه البراءات تشير إلى أن القضاء لا يتساهل مع الفساد، ولكنه يشدد أيضاً على ضرورة تقديم أدلة دامغة للإدانة.

بشكل عام، تكرس هذه الأحكام الصادرة عن القضاء في فاس توجهاً واضحاً نحو مكافحة الفساد المؤسساتي، وتُؤكد على أن المنصب الانتخابي لم يعد يوفر أي مظلة ضد المساءلة. وبينما ينتظر الرأي العام القرار النهائي بشأن جواد الدواحي، فإن سلسلة الإدانات تظل بمثابة إنذار قوي لجميع المسؤولين المنتخبين بضرورة التقيد بصرامة بمبادئ الحكامة والشفافية في تدبير المال العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى