مجتمع

“عين الرحمة” بأجدير تستنجد بـ”تامسنا” بعد إقصاء “فاس مكناس”: ملتقى للتنمية يفضح “حصار مثلث الموت”

في مشهد يعكس إرادة شعبية صلبة في وجه الإقصاء والتهميش، احتضن منتجع عين الحمراء، التابع لجماعة أجدير بعمالة تازة، الملتقى الأول للتنمية المحلية، تحت شعار “السياحة الاستشفائية في خدمة التنمية”. لم يكن هذا الملتقى مجرد حدث عابر، بل كان صرخة مدوية أطلقتها جمعية “تاسمنا للتنمية” بالتعاون مع شركاء محليين، في وجه صمت مطبق وتجاهل مستمر من قبل المؤسسات العمومية والمنتخبة، وعلى رأسها مجلس جهة فاس مكناس.

لقد استطاعت “تامسنا” بإمكانيات ذاتية محدودة، مدعومة ببعض الشركاء المؤمنين بقضية المنطقة، أن تعيد الأمل إلى “عين الرحمة”، كما أطلق عليها المغفور له الملك محمد الخامس، الذي زارها مباشرة بعد استقلال البلاد. هذه العين، التي تنبع منها مياه معدنية فريدة، تشفي من مجموعة من الأمراض الجلدية والمفاصل، وتستقطب الزوار من مختلف المناطق بحثاً عن العلاج الطبيعي والاسترخاء. إلا أن قيمتها التاريخية والاستشفائية لم تشفع لها عند أصحاب القرار في الجهة، الذين ضربوا عليها حصارًا تنمويًا جعلها تعيش في عزلة تامة.

الملتقى الذي عقد في 4 غشت 2025 و يدخل ضمن الإحتفالات بعيد العرش المجيد، كان بمثابة صفعة قوية للجهات المسؤولة، خاصة بعد أن كشفت الأبحاث عن أن مجلس جهة فاس مكناس، وعلى الرغم من توفره على سيولة مالية ضخمة، أقصى المنطقة بشكل كامل من أي مشاريع تنموية. والغريب في الأمر، أن هذا المجلس نظم في وقت سابق ملتقى ضخمًا ومكلفًا حول “السياحة الاستشفائية”، لكنه عمد إلى استبعاد منتجع عين الحمراء بشكل متعمد ومريب، وكأن هناك “فيتو” سريًا يحاصر منتجعات الشمال الغربي للجهة. هذا الإقصاء الممنهج يعيد إلى الأذهان تاريخ “مثلث الموت”، الذي كان يضم بلدة أجدير والجماعات المجاورة خلال فترة الاستعمار، والذي شهد ملاحم بطولية للمجاهدين من قبيلة أجزناية لطرد المستعمر، والتي ما زالت ذكرى 2 أكتوبر شاهدة عليها. ويبدو أن “حصار مثلث الموت” يتجدد اليوم، ليس بالرصاص، بل بالإهمال والتجاهل الذي يطال كل المرافق الحيوية.

وقد شهد الملتقى إقبالاً لافتًا من أبناء المنطقة والجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذين أشادوا بالمبادرة القيمة لجمعية “تامسنا”، مؤكدين على أن التنمية يجب أن تنبع من المبادرات المحلية لا من انتظار الوعود الزائفة. ومع ذلك، لم تخفِ هذه الحماسة مرارة الواقع المرير الذي يحيط بمكان الملتقى، حيث الطرق المؤدية إلى المنتجع مهترئة، والمدخل إليه ما زال يعاني من الإقصاء والعزلة، مما يلقي بظلال من الشك على أي حديث عن تنمية حقيقية للمنطقة.

لقد أثبت ملتقى عين الحمراء الأول أن الإرادة الشعبية قادرة على تجاوز العراقيل، وأن المواطن هو شريك أساسي في التنمية، لا مجرد رقم في معادلة سياسية. وفي الوقت الذي تواصل فيه المجالس المنتخبة والعمومية في الجهة ممارسة سياسة “الكيل بمكيالين”، تبقى عين الحمراء تستنجد بضمائر حية، وتنتظر من يُنصفها بعد عقود من الإقصاء، لتعود “عين الرحمة” مصدرًا للشفاء والنماء، لا مجرد ذكرى لمجد غابر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى