صراع النفوذ والقانون: هل تشعل سلطات مولاي يعقوب “جرافة القضاء” على مستودعات منتخبين في عين الشقف؟

تعيش المملكة منذ أشهر على وقع حملة وطنية غير مسبوقة لهدم البنايات والمستودعات غير القانونية، امتدت من الدار البيضاء إلى النواصر وسلا، في إطار التطبيق الصارم للقانون رقم 12-66 المتعلق بمراقبة وزجر مخالفات التعمير. واليوم، تتجه الأنظار نحو إقليم مولاي يعقوب، وتحديداً جماعة عين الشقف، حيث يتراكم صمتٌ ثقيل فوق مستودعات عملاقة يُتداول على نطاق واسع أنها في ملكية منتخبين نافذين وأعيان محليين، استغلوا مواقعهم وسلطتهم لتشييدها على أراضٍ سلالية وفلاحية خارج القانون.
فهل ستملك السلطات الإقليمية الشجاعة الكاملة لتوجيه مطرقة الهدم نحو هذه القلاع المحصنة بالنفوذ السياسي؟ أم ستبقى “مستودعات الأعيان” بمنأى عن المحاسبة، فيما تُهدم محلات البسطاء تحت شعارات المساواة أمام القانون؟
عين الشقف… معركة مفتوحة بين سلطة القانون ونفوذ الأعيان
لا جدال أن عامل إقليم مولاي يعقوب أطلق خلال العامين الماضيين حملات تطهير واسعة ضد البناء العشوائي، طالت مستودعات ومعامل سرية تهدد السلامة العامة. غير أن الخلل الحقيقي يكمُن في الانتقائية التي بدأت تُقلق الرأي العام المحلي، حيث تُزال الأكواخ والمستودعات الصغيرة، بينما تظل البنايات الضخمة، المملوكة لأسماء وازنة انتخابياً، صامدة دون مساس.
مصادر ميدانية تؤكد وجود مستودعات تتجاوز 2000 متر مربع في دواوير مثل بسايس العليا والتلالسة، بُنيت في أراضٍ يمنع فيها التعمير بمقتضى تصاميم التهيئة. هذه البنايات ليست مجرد مخالفات عمرانية، بل رموزٌ لفوضى النفوذ واستغلال السلطة التي تحولت إلى آفة تعرقل العدالة الترابية والتنمية المحلية.
الأقمار الاصطناعية… سلاح الدرك الملكي لكشف التستر
لم تعد أعذار “الجهل” أو “التقادم” تُقنع أحداً. فاليوم تتوفر السلطات، عبر الأقمار الاصطناعية التابعة للدرك الملكي، على أدوات دقيقة تمكنها من رصد الخروقات العمرانية بشكل فوري ومؤرّخ.
هذه الصور الجوية تُظهر مراحل البناء وتطورها، وتكشف بالأدلة من شيّد، ومتى، وكيف، مما يُسقط كل محاولات التغطية أو التلاعب بالوقائع.
ومن شأن دمج هذه التقنيات مع خرائط التعمير الرسمية أن يضع بين أيدي عمالة مولاي يعقوب قاعدة بيانات شفافة ومحايدة لاتخاذ قرارات الهدم دون مجاملة أو وساطة.
بل إن توسيع التعاون مع الدرك الملكي في استعمال تقنية الدرون (الطائرات المسيرة) للمراقبة الميدانية من شأنه أن يُحدث قفزة نوعية في ضبط المستودعات السرية، ويمنع إعادة بناء ما تم هدمه في الخفاء.
لا أحد فوق القانون… إما دولة القانون أو دولة الأعيان
إن التعليمات المركزية الصادرة عن وزارة الداخلية واضحة: لا أحد فوق القانون، والمخالفات تُعالج بالصرامة نفسها مهما كان صاحبها.
غير أن تطبيق هذا المبدأ في عين الشقف يواجه مقاومة صامتة من شبكات النفوذ المحلي التي تسعى بكل الوسائل إلى المراوغة وكسب الوقت، في انتظار أن تهدأ الحملة الوطنية.
إن أي تردد أو انتقائية في تنفيذ قرارات الهدم ضد المستودعات الكبرى يُعد:
-
طعناً في مصداقية الدولة ومبدأ المساواة أمام القانون؛
-
استفزازاً للرأي العام الذي يُطالب بمحاسبة من تلاعب في الرخص أو استغل موقعه لتشييد ثرواته على أراضٍ ممنوعة؛
-
وانحرافاً عن روح الإصلاح الإداري التي دشنتها الدولة في السنوات الأخيرة.
الرهان اليوم ليس فقط في إزالة بنايات غير قانونية، بل في تحرير الإقليم من قبضة الأعيان الذين يعتقدون أن نفوذهم أقوى من القانون.
لحظة الحقيقة في مولاي يعقوب
إما أن تثبت السلطات الإقليمية أن مطرقة القانون لا تفرق بين الغني والفقير، أو ستترسخ القناعة بأن هناك “مستودعات محصنة بالسياسة” لا تطالها الجرافات.
فالعين اليوم على عين الشقف، حيث تتقاطع مصالح المال والسياسة، وحيث سيُكتب الفصل الأهم من معركة الدولة ضد فوضى التعمير.
إن تفعيل الرقابة بالأقمار الاصطناعية، والهدم دون تردد، ومحاسبة من تورط في التغاضي أو التستر، هو الطريق الوحيد لترسيخ الثقة في مؤسسات الدولة، وإثبات أن المغرب الجديد لا مكان فيه لمن يتاجر بالقانون أو يتستر وراء الحصانة الانتخابية.






