“حب الملوك صفرو”… بين عبق التاريخ ومُرة الواقع: هل ينقذ “أبو زيد” شيخ المهرجانات من براثن التسييس والإهمال؟

مدينة صفرو، جوهرة الأطلس المتوسط، تستعد لاستضافة النسخة الحادية بعد المائة من مهرجان حب الملوك، الذي من المقرر أن ينعقد في الفترة ما بين 11 و 14 يونيو الجاري. هذا المهرجان، الذي يمتد تاريخه لأكثر من قرن، ليصبح “شيخ المهرجانات” في المغرب، يحتفل بفاكهة الكرز التي ارتبطت بها المدينة أيما ارتباط. لكن، ومع كل دورة، يعود الجدل الذي لا ينتهي حول استغلاله وتسييسه، ليطرح السؤال الأبدي: هل يتمكن العامل الجديد لإقليم صفرو، إبراهيم أبو زيد، من إنقاذ هذا التراث اللامادي العالمي (المصنف من طرف اليونسكو منذ 2012) من براثن التجاوزات التي تحوله إلى مسرح للحملات الانتخابية المبكرة؟
لقد بات مهرجان حب الملوك، في السنوات الأخيرة، مرآة تعكس واقعاً مريراً من سوء التدبير والانفراد بالقرارات، بعيداً عن أهداف الاحتفاء بالفاكهة وتثمين الموروث الثقافي. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه الصفريويون دورة استثنائية تليق بالذكرى المئوية التي احتفل بها المهرجان العام الماضي، تتوالى الأنباء عن “استياء متصاعد” واحتجاجات داخل المدينة. مصادر من داخل المجلس الجماعي تتحدث عن إقصاء للمنتخبين من عملية التخطيط والتنفيذ، وقرارات أحادية من قبل رئيس المجلس، مما خلف توتراً وانقساماً، وكشف عن خروقات تنظيمية ومالية تبقى دون توضيح أو محاسبة. هذه الفوضى التنظيمية والمالية ليست بالجديدة، فالدورات السابقة شهدت شبهات تحوم حول توزيع الاعتمادات والموارد، وتحكم في كل شيء لخدمة أجندات ضيقة، ما أدى في بعض الأحيان إلى وصول هذه الملفات إلى أقسام جرائم المال.
ولكن، ليست الفوضى السياسية وحدها ما يهدد هذا المهرجان العريق ورمزه، فاكهة الكرز نفسها تعاني في صمت. ففي السابق، كانت بساتين الكرز تغطي مساحات شاسعة حول صفرو، وتمنح المدينة هويتها المميزة. أما اليوم، فتشير الأصابع إلى “تراجع مهول في أشجار فاكهة حب الملوك”. هذا التراجع لا يعزى فقط إلى التقلبات المناخية والجفاف الذي أثر على الإنتاج ورفع الأسعار بشكل كبير (وصولاً إلى 60-70 درهماً للكيلوغرام)، بل أيضاً إلى “زحف البناء وإجهازه على جل المناطق الخضراء”. وكأننا نحتفي بفاكهة تكاد تختفي من أرضها الأصلية، دون سياسات واضحة أو رؤية مستقبلية لاستعادة هذه الخصوصية الزراعية التي ميزت المدينة لأكثر من قرن،و جمعت مختلف الحضارات و الديانات و خاصة تعايش المسلمين و اليهود بملاح صفرو التاريخي.
إن المسؤولية اليوم تقع على عاتق إبراهيم أبو زيد، عامل إقليم صفرو. هل سيكون قدومه بداية عهد جديد من الحوكمة الرشيدة، والشفافية، والإنصاف؟ وهل يمتلك الشجاعة الكافية لـ “قصْف” كل محاولات تسييس المهرجان، ووضع حد لممارسات تحرم المدينة وأهلها من الاستفادة الحقيقية من هذا الحدث؟ إن الأمل معقود على تدخل حازم يعيد لمهرجان حب الملوك مكانته كقيمة ثقافية وتراثية إنسانية، و يساهم في تنمية المدينة وليس مجرد مناسبة انتخابية أو فرصة للاستفادة الشخصية. صفرو تستحق أن تحتفل بـ “حب الملوك” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأن تعيد لفاكهتها الأيقونية بريقها الضائع.