قضايا

تدهور حدائق فاس بعد التأهيل… أسئلة حارقة حول الجودة وغياب المراقبة

تعيش عدد من الحدائق والمرافق الرياضية بمدينة فاس، في مقدمتها حديقة الأندلس، على وقع تدهور لافت بعد مدة قصيرة جداً من إعادة تأهيلها. الحدائق التي كان يُفترض أن تشكل متنفساً حضرياً وتحسّن جودة الحياة داخل الأحياء السكنية، تحوّلت إلى مصدر للتساؤلات والاحتجاجات بسبب الأعطاب المبكرة التي ظهرت على تجهيزاتها، رغم أن بعضها لم يتجاوز عامين من التشغيل.

أقل من سنتين… والعيوب تنكشف

حديقة الأندلس، التي حظيت بعملية تهيئة حديثة وكلفت موارد مالية مهمة، بدأت مظاهر التدهور تبدو عليها في وقت وجيز، في مشهد يطرح علامات استفهام حول جودة الإنجاز ومراقبة المشاريع العمومية.

فمن تفكك للمكونات المعدنية، وتآكل للأرضيات المطاطية، إلى انهيار أجزاء من ألعاب الأطفال، يتضح أن الحديقة لم تصمد حتى أمام الاستعمال العادي، مما يعزز فرضية وجود اختلالات تقنية في التركيب ومواد لا ترقى إلى المواصفات المطلوبة.

رداءة في الجودة… وتركيب غير مطابق للمعايير

تؤكد المعاينات الأولية وشهادات مرتفقين أن العيوب لم تظهر نتيجة الاستعمال المفرط فحسب، بل منذ الأسابيع الأولى لافتتاح الحديقة. وهو ما يشير إلى اعتماد تجهيزات ضعيفة المتانة، وتركيب غير متقن لا يراعي حجم الضغط السكاني على هذه الفضاءات.

ورغم أن المنطقة تعرف كثافة سكانية مرتفعة، فإن عدد المرافق المخصّصة للأطفال والرياضة ظل محدوداً، ما جعل تجهيزات ذات جودة ضعيفة تتعرض لاستهلاك يفوق قدرتها الطبيعية، فتنهار بسرعة لافتة.

غياب الصيانة… وغياب لجان التفتيش

ورغم أن مثل هذه المرافق تحتاج إلى صيانة شهرية على الأقل، إلا أن المتابعات الميدانية تكشف غياباً واضحاً لبرامج الصيانة الوقائية، وافتقاداً لدوريات التفقد التي كان من شأنها الحد من تدهور الوضع قبل وصوله إلى الحالة الحالية.

الأخطر من ذلك هو غياب لجان تفتيش مستقلة لتقييم جودة المشاريع المنجزة حديثاً، ومعرفة مدى احترامها للمعايير التقنية ودفاتر التحملات. وهو غياب يفتح الباب أمام مشاريع تُنجز بسرعة… لكن بجودة ضعيفة.

سلوكيات مضرّة تزيد الطين بلة

إلى جانب ضعف الجودة، سجلت بعض السلوكات غير المسؤولة من طرف مرتفقين، وعلى رأسها استعمال مرافق مخصصة للأطفال الصغار من طرف شباب يفوق عمرهم 16 سنة، أو اللعب بقوة مفرطة تؤدي إلى إتلاف التجهيزات بسرعة. غير أن ذلك لا يعفي الجهة المنجزة من مسؤولية احترام معايير الجودة والمتانة.

المحصلة واحدة… ومقلقة

مشاريع تهيئة حديثة، تفقد بريقها في أقل من سنتين. تجهيزات تنهار منذ الأسابيع الأولى. صيانة غائبة. مراقبة منعدمة. ولجان تفتيش غير حاضرة.

كلها مؤشرات تفرض فتح نقاش جدي حول جودة البنية التحتية الحضرية في مدينة فاس، ومسؤولية الجهات المشرفة عن ضمان استدامة المشاريع التي تُنجَز بتمويل عمومي.

دعوة إلى المحاسبة… وإلى الوعي الجماعي

إن حماية الملك العام مسؤولية مشتركة، تبدأ من احترام المواطنين لهذه الفضاءات، لكنها لا تستقيم دون محاسبة حقيقية للمتسببين في إنجاز مشاريع بأعطاب مبكرة، ودون لجان تفتيش صارمة تراقب الجودة قبل وبعد التسليم.

فجمال المدن لا يُبنى فقط بالإعلان عن المشاريع… بل بجودتها، وبحماية استمراريتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى