تبون يهاجم المغرب من جديد.. خطاب مرتبك يكشف عقدة النظام الجزائري وإفلاسه السياسي

في خطاب متشنج يعكس أزمة الشرعية التي يعيشها النظام الجزائري، عاد عبد المجيد تبون، الرئيس المعيّن من قبل جنرالات قصر المرادية، إلى ترديد أسطوانة معاداة المغرب ومحاولة النفخ في أوهام البوليساريو. ورغم أن الرجل اعتاد التهجم على المملكة في خرجاته الإعلامية، إلا أن خطابه الأخير داخل مقر وزارة الدفاع كشف بوضوح العقدة المغربية المزمنة التي تحكم توجهات السلطة العسكرية شرق الحدود.
تبون، الذي قدم نفسه أمام كبار الضباط وهو محاط بالرمزية العسكرية أكثر من السيادة الرئاسية، حاول في البداية الإيحاء بأنه يتحدث عن حصيلة ست سنوات من حكمه، قبل أن ينزلق بسرعة إلى مهاجمة المغرب واتهام دول عربية بالتدخل في الشأن الجزائري، في إشارة مباشرة إلى الإمارات العربية المتحدة التي اتهمها بـ “إثارة الفتنة”. لكن ما أثار سخرية المتابعين هو ارتباكه السياسي وتناقض تصريحاته بخصوص قضية الصحراء المغربية.
فبينما تؤكد الأمم المتحدة نفسها منذ أكثر من عقد أن خيار الاستفتاء أصبح غير واقعي، وأن الحل السياسي الوحيد المطروح دولياً هو المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يتشبث تبون بخرافة “تصفية الاستعمار”، وكأن الزمن توقف عند السبعينيات. الأسوأ أنه سبق واعترف بنفسه في أكثر من مناسبة بأن الصحراء تم استكمال تحريرها سنة 1975، فكيف يطالب اليوم إسبانيا بإعادة استعمار المنطقة إن كان فعلاً يعتبرها “قضية تحرر”؟ هذا الانفصام السياسي جعل خطابه مادة للتندر حتى داخل الشارع الجزائري.
ولم يكن حديثه عن “إغلاق الحدود مع المغرب” أفضل حالاً، فقد حاول تبرير استمرار القطيعة لأسباب غامضة، محاولاً الهروب من الحقيقة المعروفة للجميع: النظام العسكري الجزائري هو من يخشى فتح الحدود لأنه يخشى أن يرى الشعب الجزائري بعينيه الفرق الشاسع بين مسار الإصلاح في المغرب ومسار الانهيار في الجزائر.
ثم واصل تبون خرجته الشعبوية بتوجيه رسائل تهديد مبطنة إلى المغرب قائلاً: “لن نتخلى أبداً عن دعم البوليساريو”. لكن ما لم يجرؤ على قوله أمام ضباطه هو أن المشروع الانفصالي يعيش مرحلة موت سريري بعد سحب أكثر من 84 دولة اعترافها بالجمهورية الوهمية، وبعد توسع الخريطة الدبلوماسية للمغرب في العمق الإفريقي والخليجي والآسيوي، وفتح 28 قنصلية بمدينة العيون والداخلة.
كما حاول تبون افتعال بطولة وهمية ضد الإمارات، ظناً منه أنه بهذه المسرحية سيغطي على فشل حكومته داخلياً. كيف يتهم الإمارات بالتدخل في الشأن الجزائري، والدولة نفسها تستورد نصف حاجاتها من الحبوب، وتعتمد على الغاز كريع وحيد دون أي نموذج اقتصادي حقيقي؟ ثم عن أي “سيادة” يتحدث وهو الذي يتلقى أوامر من قيادات الأركان قبل كل خطاب؟
أما حين تحدث عن “التنمية في الجزائر”، تحوّل خطابه إلى فقرة هزلية. الرئيس الذي قال قبل سنوات إن الجزائر ستصبح “قوة عالمية”، عاد اليوم ليبشر الشعب أن بلاده “أصبحت لا تستورد البصل من إفريقيا”! هذا الاعتراف وحده يكفي لفهم مستوى الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه أحد أغنى بلدان القارة موارد طبيعية، لكنه أفقر شعبها تنمية وإنتاجاً.
خطاب تبون ليس سوى فقاعة سياسية موجهة للاستهلاك الداخلي، هدفها تهدئة الجنرالات ورفع معنوياتهم قبل الانتخابات الصورية المقبلة. غير أن الحقيقة واضحة: الجزائر ليست في خصومة مع المغرب، بل في خصومة مع منطق التاريخ. فبينما تبني المملكة مشاريع سيادية كما حدث مع ميناء الداخلة الأطلسي وأنبوب الغاز نيجيريا–المغرب والمصانع الدفاعية والشراكات الاستراتيجية مع القوى الكبرى، ما يزال النظام الجزائري يراهن على ميليشيا مسلحة داخل خيمة في تندوف.
أما تبون نفسه فلا يبدو إلا واجهة سياسية بلا سلطة حقيقية، يلهث في خطاباته خلف قاموس الحرب الباردة، محاولاً صناعة عدو خارجي لتغطية صراع المرادية وتوحش الفساد العسكري ونهب الثروات. ومن كان هذا مستواه السياسي فلا عجب أن يظهر مرتبكاً أمام ضباطه وكأنه ضيف أجنبي على وزارة الدفاع وليس قائداً أعلى للقوات المسلحة كما تقول الدساتير.
تبون لم يهاجم المغرب في خطابه الأخير فقط، بل فضح نفسه أمام العالم: رئيس بلا مشروع، بلا رؤية، بلا مستقبل… ورأس دولة مسكونة بهاجس اسمه المغرب.