تاونات.. حصن التنمية المجالية: عامل الإقليم يقود ورش “العدالة الترابية” ويُفَعِّل المشاريع الاجتماعية

يشكل إقليم تاونات، بموقعه الاستراتيجي في قلب جبال الريف، وتضاريسه الوعرة التي تضم أكثر من 1600 دوار وقرية موزعة على 44 جماعة قروية و 5 جماعات حضرية، اختباراً حقيقياً لمدى نجاح النموذج التنموي الجديد في كسر حلقات الهشاشة وتنزيل المبادئ الملكية للعدالة الاجتماعية والمجالية. وبعيداً عن الضجيج الإعلامي و فوضى العدميين، تقدم سلطات الإقليم، بقيادة عامل الإقليم، سيدي صالح داحا، نموذجاً للحكامة الإقليمية الفعالة، حيث ترجمت التوجيهات الملكية المتعلقة بإعطاء الأولوية للقطاعات الاجتماعية إلى مشاريع كمية ونوعية بلغت تكلفتها الإجمالية مبالغ ضخمة.
هذه الأرقام ليست مجرد ميزانيات صرفت، بل هي خريطة طريق واضحة تؤكد أن القيادة الإقليمية في تاونات جعلت من التنمية الاجتماعية المستدامة وفك العزلة محوراً لعملها، متجاوزة بذلك التحديات الجغرافية والاقتصادية التي ميزت الإقليم لعقود.
1. الإرادة السياسية في صدارة الأولويات الاجتماعية
إن قراءة متفحصة لتوزيع الاستثمارات الإقليمية تكشف عن إرادة واضحة لإعطاء زخم للمشاريع الاجتماعية، التي تشكل جوهر الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية وتأهيل المرفق العمومي:
- التعليم (369 مشروعاً بـ 1.29 مليار درهم): يأتي قطاع التعليم في صدارة الأولويات من حيث عدد المشاريع، بتنفيذ 198 مشروعاً منجَزاً وتخصيص ما يفوق المليار درهم. هذا الحجم من الاستثمار يوجه رسالة واضحة بضرورة محاربة الهدر المدرسي في الوسط القروي، وتوفير بنية تعليمية تضمن تكافؤ الفرص في هذا الإقليم الذي يعتمد بشكل أساسي على الرأسمال البشري.
- الصحة (345 مشروعاً): رهان القرب والانتشار المجالي: على الرغم من التكلفة الإجمالية التي تبلغ 423 مليون درهم، فإن الكثافة العددية للمشاريع الصحية تعتبر مؤشراً قوياً على استراتيجية “طب القرب” و”الانتشار المجالي”. الإنجاز القياسي لـ 320 مشروعاً صحياً يؤكد أن سلطات الإقليم ركزت على تأهيل وتجهيز المراكز الصحية القروية ووحدات الأمومة، بهدف ضمان الحد الأدنى من الخدمات الصحية الأساسية في المناطق الجبلية والنائية. هذا التوجه يسعى لتوفير “جاذبية البنية التحتية” التي قد تكون حافزاً لتوطين الأطر الطبية في المناطق القروية مستقبلاً.
2. الحكامة الإقليمية وكسر حلقة العزلة الجغرافية
إن تحويل هذه الأرقام إلى واقع ملموس في إقليم صعب التضاريس مثل تاونات يتطلب حكامة إدارية استثنائية، وهنا يبرز الدور المحوري للقيادة الإقليمية التي عملت على:
فك العزلة بـ 3.8 مليار درهم: مشروع اجتماعي بامتياز
يظل فك العزلة هو البوابة الرئيسية للتنمية في إقليم تاونات. إن تخصيص ما يفوق 3.87 مليار درهم لقطاع الطرق والمسالك والمنشآت الفنية (272 مشروعاً)، يمثل في جوهره مشروعاً اجتماعياً ضخماً. إن فتح الطرق وتهيئة المسالك القروية يربط القرى المعزولة بالخدمات الأساسية (المدارس والمستشفيات)، ويساهم في التسويق لمنتجات الإقليم الفلاحية المعروفة (الزيتون والتين)، مما ينهي سنوات من العزلة الجغرافية التي كانت سبباً رئيسياً للهجرة القروية.
التنمية المندمجة والتوازن المجالي
اعتمدت الإدارة الترابية منهجية العدالة الترابية، حيث تم تحقيق توازن ملحوظ في التوزيع بين المراكز الحضرية والقروية:
- تأهيل المراكز الحضرية: 47 مشروعاً بتكلفة 666 مليون درهم.
- تأهيل المراكز القروية: 101 مشروع بتكلفة 326 مليون درهم.
هذا التوازن يعكس إدراكاً لأهمية التنمية المندمجة، حيث لا يتم إهمال المراكز القروية التي تعد العمق الديمغرافي للإقليم، مع التركيز على المراكز الحضرية كقاطرة اقتصادية للإقليم.
3. تاونات.. نموذج ناجح للنجاعة والإنصاف تحت قيادة داحا
إن نجاح هذا الورش التنموي الإقليمي يعود بشكل أساسي إلى المنهجية المتبعة من قبل عامل الإقليم ،كرس لمفهوم السلطة الجديدة القائم على الإنصات، القرب، والفعالية،و تجسيد التواصل مع بنية إجتماعية متنوعة.
هذا النجاح ليس مجرد صدفة، بل هو نتاج حكامة تكرس المسؤولية بالمحاسبة وتضمن:
- الإنجاز العالي: نسب الإنجاز المرتفعة في مختلف القطاعات (320 مشروعاً صحياً، 195 طريقاً، 198 مؤسسة تعليمية) تدل على قدرة الأجهزة الإقليمية على فك العقد الإدارية والمالية وتفعيل المشاريع في آجال معقولة.
- تأمين الموارد الحيوية: تخصيص 1.72 مليار درهم (115 مشروعاً) للتزويد بالماء الصالح للشرب يؤكد الإدراك العميق لتاونات كـ “خزان مائي وطني” وضرورة حماية الساكنة من ندرة المياه، خاصة في ظل الإجهاد المائي الحالي،و أن السلطات وضعت في صلب إهتمامتها مواجهة أزمة نذرة الماء بسبب تراكمات خلفها المتكب الوطني للماء و الكهرباء.
إقليم تاونات.. مدرسة في التنمية المستدامة
إن الإنجازات المحققة في تاونات تتجاوز الأرقام لتصبح مدرسة في التدبير الترابي. لقد أثبتت سلطات الإقليم، بقيادة حكيمة وفعالة، أن التنمية في المناطق الجبلية والنائية ليست حلماً بعيد المنال، بل هي واقع يمكن تحقيقه عندما تتوفر الإرادة السياسية، والتخطيط الاستراتيجي الموجه نحو الإنسان، وحكامة إقليمية صارمة وعادلة و بعيدة عن الأصوات العدمية التي تحاول تبخيس الجهود و ذلك من أجل الركوب السياسي و لتحقيق المنافع الشخصية على حساب ساكنة الإقليم وهو ما جعل السلطات تضع مسافة بعيدة بينها و بين المتناحرين من الساسة و المنتخبين،و أن عملها يقتصر في خدمة ساكنة الإقليم بدون أي يافطة و أن الجميع سواسية في الإستفادة من التنمية وذلك من خلال التنزيل العقلاني و المؤسساتي للتوجيهات الملكية السامية.
إن هذا البرنامج التنموي الشامل يضع تاونات على سكة التنمية المستدامة، ويؤكد أن الطريق نحو تحقيق العدالة الترابية والاجتماعية يمر حتماً عبر الاستثمار الجريء في الطرق، والتعليم، والصحة، بعيداً عن مركزية القرار، وقريباً من نبض وحاجة المواطن في الدوار والقرية.