سياسة

برلماني يفجر فضيحة الصفقات في حكومة “البيزنس”: حينما يعلو صوت “الهمزة” على صوت مصلحة الوطن!

تصاعدت حدة الجدل والاتهامات مؤخرًا، لتضع حكومة عزيز أخنوش في قلب عاصفة جديدة من الشكوك المتعلقة بـتضارب المصالح والاستغلال المفرط للنفوذ السياسي لتحقيق مكاسب مالية شخصية. لقد تجاوزت هذه الحكومة عتبة “حكومة الكفاءات” التي وعدت بها، لتصبح، في نظر الكثيرين، حكومة “البيزنس مام”، حيث لا صوت يعلو فوق رنين الصفقات والمنافع الخاصة.

صفقات الأدوية: البداية من قطاع الصحة

أحدث هذه الفضائح هو الاتهام المباشر الذي وجهه النائب عبد الله بوانو لوزارة الصحة، مشيرًا إلى حصول شركة مملوكة لوزير في الحكومة (في إشارة لوزير التربية الوطنية) على صفقة أدوية لأحد المستشفيات الجامعية. ورغم نفي الوزارة -الذي اعتمد على حجج قانونية وفصل إداري بين الوزارة والمراكز الاستشفائية الجامعية (CHU)- فإن جوهر الأزمة لا يكمن في الإجراءات البيروقراطية بقدر ما يكمن في الخلفية الأخلاقية والسياسية.

هل يعقل أن يكون وزير في حكومة “مواطنة” يمثل جميع المغاربة، يملك في الوقت نفسه شركة تتنافس على صفقات عمومية حيوية؟ هذا ليس مجرد تضارب مصالح محتمل، بل هو تأكيد لـ “مغرب الفرص” الذي بات حكرًا على من يمتلكون السلطة والمال معًا. المراكز الاستشفائية الجامعية قد تكون مستقلة ماليًا، لكنها ليست بمعزل عن مناخ النفوذ العام الذي تفرضه الحكومة.

مغرب الفرص أم مغرب الأفراد؟

ما يثير القلق العميق هو أن صفقة الأدوية هذه ليست حدثًا معزولًا، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من الشكوك التي تحوم حول أداء هذه الحكومة. رائحة الصفقات باتت تفوح من كل مرفق عمومي:

الأدوية: استهداف واضح لقطاع الصحة الحيوي.

الحراسة والنظافة: وهي صفقات تقليدية تدر أرباحًا طائلة بأقل مجهود.

تحلية مياه البحر والطاقة: مشاريع البنية التحتية الكبرى والمستقبلية التي يفترض أن تكون قاطرة للتنمية الوطنية، تحولت إلى مسرح لـ “افتراس الصفقات” و”اغتنام الفرص”، حيث يبرز كبار الفاعلين الاقتصاديين المرتبطين بالقرار السياسي، لتحصين مواقعهم المالية لعقود قادمة.

لقد تحول مفهوم “المواطنة” في هذه الحكومة إلى مجرد شعار أجوف، بينما تحول العمل الحكومي إلى مكتب استشاري كبير لتدبير الثروات الخاصة لأعضائها ومقربيهم. هؤلاء الوزراء ليسوا مجرد مدبرين للشأن العام، بل هم مستثمرون كبار يجمعون بين السلطة التنفيذية والمصلحة التجارية.

السؤال الأخلاقي: هل هؤلاء وزراء أم مجرد “بيزنس مام”؟

السؤال المطروح على حكومة أخنوش هو سؤال أخلاقي بالدرجة الأولى:

هل أنتم وزراء في حكومة مواطنة تمثل جميع المغاربة، ملتزمون بمبادئ الشفافية والنزاهة، وتضعون المصلحة العامة فوق كل اعتبار؟ أم أنكم مجرد وزراء حكومة “بيزنس مان”، تتخذون من حقائبكم الوزارية جسرًا ذهبيًا لعبور صفقات شركاتكم الخاصة؟

إن غياب فصل واضح وصارم بين المال والسلطة يمثل تهديدًا مباشرًا للثقة العامة ولنزاهة المؤسسات. عندما يتكرر هذا الأمر في عدة قطاعات، فإن الشكوك تتحول إلى قناعة بأن الهمزة تعلو ولا يُعلى عليها. إن حكومة أخنوش، بدل أن تكون حكومة حلول، أصبحت حكومة التباسات تتطلب محك المساءلة والشفافية لإعادة الاعتبار للمنصب العمومي.

إن ما يقع اليوم هو تجسيد للمقولة البائسة: “لا صوت يعلو فوق هميزات الصفقات”. والمغاربة ينتظرون من حكومتهم أفعالًا تتناسب مع طموحاتهم في مغرب العدالة والمساواة، وليس في مغرب تُحتكر فيه الفرص لمن يمتلكون مفاتيح خزائن الدولة والسلطة معًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى