مجتمع

تقرير : المؤشر الاجتماعي الموحد: خطوة مهمة بين طموح الدولة الاجتماعية وتحديات الواقع الاقتصادي

تقرير خاص من إنجاز فاس24

في ظل تزايد الضغوط الاجتماعية وتنامي انتظارات الفئات الهشة والمتوسطة، عاد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، للدفاع عن “المؤشر الاجتماعي الموحد” كركيزة أساسية لمشروع الدولة الاجتماعية. واعتبر هذا المؤشر، في كلمته الأخيرة، ليس مجرد أداة تقنية لقياس الاستحقاق، بل مكسبًا وطنيًا يجمع بين إرادة الإصلاح ودقة الاستهداف.

يُقدم هذا المؤشر، الذي أُنجز بشراكة بين وزارة الداخلية ومؤسسات مركزية أخرى، كآلية لتعزيز العدالة في توزيع الدعم المباشر وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس الكرامة والإنصاف. إلا أن هذا الطرح، رغم انسجامه مع خطاب الدولة الاجتماعية، يثير تساؤلات حقيقية حول فعالية هذا النموذج في معالجة التحديات المزمنة التي طالما أدت إلى تهميش آلاف الأسر المستحقة، وسط هشاشة مجالية واجتماعية متفاقمة.

المؤشر ليس سرًا.. ولكن غموض المعطيات يثقل الثقة

يؤكد رئيس الحكومة أن المؤشر ليس سريًا، إذ تم تفعيله بموجب مرسوم رسمي يعود إلى غشت 2021، وينص على كيفية اشتغاله. غير أن التفاصيل التقنية التي تتعلق بمكونات المؤشر وكيفية احتسابه لا تزال غير واضحة لمعظم المواطنين، وحتى لبعض الخبراء.

فالمؤشر هو نتيجة دمج نقاط عديدة تعتمد على معايير اجتماعية واقتصادية تشمل ظروف السكن، الوضع المهني، عدد المعالين، الحالة الصحية والتعليمية، وملكية وسائل النقل وغيرها. يتم إدخال هذه المعطيات في نظام معلوماتي مركزي لإنتاج مؤشر رقمي يعكس درجة هشاشة الأسرة.

وفي حديثه لـ”فاس24″، قال إدريس بلكبير، خبير السياسات الاجتماعية: “يمثل المؤشر نقلة نوعية تخرج عن منطق العشوائية في برامج الدعم السابقة، لكنه يواجه تحديًا كبيرًا في التواصل والشفافية مع المستفيدين، ما قد يهدد ثقة المواطنين في عدالة النظام ويضعف شرعيته”.

آفاق الدعم.. بين مكاسب التغطية وغياب التقييم المستقل

وفق ما أعلنته الحكومة، فإن المؤشر مكّن من شمول 60% من السكان غير المستفيدين سابقًا من الدعم، وهو رقم كبير يكشف حجم الفقر والهشاشة بالمغرب. لكن غياب تقييم مستقل للأسر المستبعدة، خصوصًا في المناطق الريفية وشبه الحضرية، يفتح باب النقاش حول مدى شمولية ونجاعة هذا النظام.

كما أن غياب تحديث دوري للمؤشر وعدم وجود آليات ميسرة للطعن وإعادة التقييم تثير مخاوف من إمكانية خروج أسر مستحقة من منظومة الدعم دون إنذار أو تفسير.

وكالة الدعم الاجتماعي.. من الإعانة المؤقتة إلى التمكين

مديرة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، وفاء جمالي، اعتبرت أن المغرب يمر بثورة اجتماعية هادئة عبر هذا التحول من الإعانة المؤقتة إلى تمكين اقتصادي واجتماعي دائم، يعتمد على استهداف دقيق ومواكبة ميدانية. وكشفت أن نحو 4 ملايين أسرة، أي ثلث سكان المملكة، يستفيدون من دعم سنوي يبلغ 25 مليار درهم.

وأبرزت جمالي أن الهدف الأساسي لم يعد توزيع الدعم فقط، بل قياس أثره الاجتماعي وتمكين الأسر من تجاوز الهشاشة عبر برامج موجهة للأطفال والأرامل والمسنين. كما أشارت إلى العمل على إنشاء تمثيليات محلية لمواكبة الأسر وضمان نجاعة الدعم.

مأزق القطاع غير المهيكل: اعتراف حكومي دون حلول واضحة

أكد رئيس الحكومة في مداخلته، بصراحة، صعوبة اعتماد الدخل كمعيار للاستحقاق بسبب تفشي القطاع غير المهيكل، ما يعكس تحديًا كبيرًا في ضبط الواقع الاقتصادي للأسر. هذا الاعتراف يكشف قصور السياسات الاجتماعية الحالية واعتمادها على مؤشرات ظرفية قد لا تعكس الوضع الحقيقي.

لكن، وحتى الآن، لم تقدم الحكومة حلولًا واضحة لإدماج هذا القطاع في منظومة الحماية الاجتماعية الشاملة، تاركة الأمر كمسألة معقدة لم تُحل بعد.

خبراء الاقتصاد والسياسات الاجتماعية: المؤشر خطوة أولى لكنها غير كافية

 يرى الكثير من الخبراء، في المؤشر خطوة إيجابية على مستوى النية، لكنه يظل آلية تقنية لا يمكن أن تحل مشاكل هيكلية بدون إصلاحات شاملة في سوق العمل، النظام الجبائي، وجودة الإنفاق العام.

وأشار و إلى ضرورة تقييم مستقل وشفافية مطلقة حول المؤشر، لتجنب أن يتحول إلى أداة بيروقراطية فاقدة للشرعية السياسية والاجتماعية.

ووصفوا الانتقال من منطق الزبونية إلى الاستحقاق الاجتماعي بالمحمود، لكنه أقر بوجود فجوة بين القرار المركزي والتنفيذ الميداني، مع ضعف فهم واسع للمؤشر بين المواطنين والفاعلين المحليين.

في خضم هذا النقاش، يبدو واضحًا أن “المؤشر الاجتماعي الموحد” ليس مجرد رقم حكومي، بل خطوة استراتيجية نحو بناء دولة اجتماعية أكثر عدالة وإنصافًا. لكن نجاحه الحقيقي مرهون بمدى شفافية ممارسته، وتحسين التواصل، وإدماج الفئات الهشة، خصوصًا العاملين في القطاع غير المهيكل.

يبقى الرهان الأسمى أن يتحول المؤشر من أداة تقنية إلى قوة فعالة في تحسين حياة ملايين الأسر المغربية، عبر مقاربة شمولية تجمع بين الدعم المالي، فرص الشغل، الحماية الاجتماعية، وتعزيز الخدمات العمومية، في أفق دولة متماسكة تراعي الكرامة والعدالة لكل مواطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى