سياسة

الحرب الصاروخية السريعة بين إسرائيل وإيران وأمريكا: دروس استراتيجية للمستقلين وحصانة المغرب في مواجهة التحديات الإقليمية و عبر قاسٍية للدول النائمة

في ظرف 12 يومًا فقط، شهدت منطقة الشرق الأوسط واحدة من أسرع المواجهات العسكرية الحديثة بين إسرائيل من جهة، وإيران ، والولايات المتحدة الأمريكية التي تدخلت بدور محوري. حرب لم تدم طويلاً، لكنها حَمَلت في جعبتها رسائل استراتيجية عميقة وعبرًا شديدة الوضوح لكل الدول التي تتخبط بين التبعية والخضوع للنفوذ الخارجي.

رغم أن القتال استمر أقل من أسبوعين، فإن طابعه السريع والكثيف يُشبه الصواريخ التي انطلقت وتبادلتها الأطراف المتحاربة: متقنة، مركزة، وذات أثر ملموس. هذه الحرب تكشف أن الصراعات الكبرى في العصر الحديث لم تعد بحاجة إلى سنوات من الاستنزاف. بل يمكن أن تكون موجهة بتقنيات حديثة وأسلحة دقيقة، تُخضع الخصم لردع سريع، مع تفادي الانزلاق إلى حرب شاملة قد تدمر المنطقة.

لكن رغم السرعة، لم تكن النهاية نهاية نزاع، بل درسٌ موجزٌ يشرح واقع النفوذ السياسي والعسكري في الشرق الأوسط. إذ أن الدول التي ما تزال تُمارس سياساتها تحت عباءة تبعية كاملة لدول أخرى، تجد نفسها في مهب الريح، عاجزة عن التحكم في مسار قراراتها أو حماية مصالحها العليا، ومهددة بالتورط في حروب لا تختارها.

وسط هذا المشهد الإقليمي المضطرب، برز المغرب كأحد النماذج القليلة التي استطاعت أن تخرج من دوامة التبعية، وتبني سياستها الخارجية والداخلية على أسس متينة من الحياد الذكي والتحصين الاستراتيجي. لم ينخرط المغرب في هذه المواجهة الإقليمية ولا حيد طرفًا بشكل مباشر، بل اتبع سياسة التوازن التي تحفظ له الأمن الوطني وتمنحه هامش المناورة.

لم يكن هذا الموقف وليد الصدفة، بل نتاج سنوات من الاستثمار في بناء قدرات داخلية متطورة، شملت تطوير الجيش المغربي، وتعزيز المؤسسات الأمنية، وتحديث الاقتصاد الوطني، فضلاً عن تبني سياسة خارجية متزنة تسعى إلى الحفاظ على المصالح العليا دون الدخول في متاهات صراعات خارجية.

المغرب أثبت أن تحصين الدولة لا يقتصر على السلاح وحده، بل يشمل بناء منظومة سياسية واجتماعية واقتصادية قادرة على الصمود في وجه الأزمات، فضلاً عن مراقبة محكمة لأي محاولات اختراق خارجي، سواء عبر التأثير السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.

تعلمنا هذه الحرب كذلك أن كثيراً من الدول التي تعتمد في قرارها السياسي والعسكري على قوى كبرى، تظل عاجزة عن حماية شعوبها أو توجيه سياساتها وفق ما يخدم مصالحها الوطنية. هذه الدول عادة ما تتحول إلى ساحات لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وتتحمل أعباء حروب لا طائل منها سوى الدمار والتبعية.

الدرس الأكبر هو أن التبعية والغياب عن بناء القدرات الذاتية، لا يؤديان سوى إلى الانكشاف الدائم أمام الضغوطات، وفقدان القدرة على رسم مستقبل مستقل ومستدام. لذلك، فالحرب التي دامت 12 يومًا ليست سوى إنذار واضح بأن زمن “السبات الاستراتيجي” انتهى، وأن الدول التي ترغب في البقاء والازدهار عليها أن تستيقظ سريعًا.

أما بالنسبة للدول التي لا تزال تناضل من أجل ضبط توازنها الإقليمي، فإن الحياد الاستراتيجي والسياسات المتزنة تمثل اليوم السبيل الأمثل لتفادي الانزلاق في أزمات قد لا تنتهي. تجارب الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة توضح أن الدخول في مواجهات مباشرة قد يؤدي إلى دمار واسع وخسائر سياسية ومادية كبيرة، في حين أن الحكمة في التعامل مع التوترات تلعب دورًا حاسمًا في حفظ الأمن والاستقرار.

في هذا الإطار، يظهر المغرب نموذجًا متفردًا في كيفية تحصين الدولة داخليًا، والاستفادة من الحياد الدبلوماسي، مع تعزيز القدرات الذاتية في المجال العسكري والاستخباراتي، ليكون أقل عرضة للتأثر بالتقلبات الإقليمية.

في نهاية المطاف، لا بد من أن تدرك الدول جيدًا أن عالم اليوم يعيد تشكيل خريطة القوى بشكل سريع ومتقلب، وأن القوة الحقيقية تكمن في بناء الدولة ذاتياً، وبشكل متكامل بين الأمن والاقتصاد والسياسة، لا في انتظار حلول خارجية أو في الانخراط في صراعات ليست من صنعها.

الحرب السريعة التي شهدها الشرق الأوسط خلال 12 يومًا ما هي إلا جرس إنذار صارخ، ودعوة مفتوحة لكل دولة لتحصين نفسها، لصناعة مستقبل أكثر استقلالية وازدهارًا، ولتفادي مخاطر أن تكون كبش فداء في نزاعات قوى أكبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى