ملف الاحد: المشهد الإعلامي المغربي من الصحافة الوطنية: الى الصحافة الصفراء: و “التشيار”: و” البونيط”
يبدو ان المشهد الإعلامي الذي أصبحنا نعيش اليوم ظواهره كجثة متحللة باتت تنفت الروائح الاجتماعية الغير الصحية والتي تهدد واقع إعلام وطني قادر على الترافع من اجل القضايا الوطنية الى إعلام ينشر الفضائح وينقل الموبيقات الاجتماعية و يطمح الى “البوز” على واقع يفرز كيانات تهدد السلم الاجتماعي للمملكة.
الاعلام المغربي سابقا والذي كان يؤثثه قامات إعلامية في مجال الكتابة والنقد البناء وفي صحافة مرجعية تقول للمؤسسات ها هي النواقص وتطالبها بتصحيحها وإعلام كان يواجه الخصوم وأعداء الوطن بالخارج بمقالات نارية و تحليلية حتى بات الجميع يتحدث عن الاعلام الوطني و كأنه حركة وطنية موازية تساهم في التغيير المنشود و تدافع عن رؤيتها السليمة الغير القابلة للبيع و لا الشراء.
الاعلام فكر ومرجع وثقافة قبل ان يكون أداة لنقل الأخبار وكيف كانت الحركة الوطنية تشتري الجرائد وتدسها تحت معطفها او جلبابها خوفا من الاعتقال لان سابقا من كان يشتري جريدة ويتابع الاخبار يصنف ضمن الوطنيين الاحرار.
و مع تنامي الضغط الإعلامي بالمملكة من خلال رموز الصحافة الوطنية حتى تمكنت وزارة الداخلية و الاعلام أنداك في عهد إدريس البصري الى الدفع بخلق ما كان يطلق عليه “بالصحافة الصفراء” التي كانت تنقل الميوعة و “العام زين” و تقدم تقارير مغلوطة لخدمة من يدفع أكثر ،و شهد المغرب صدور عدة جرائد سواء كانت وطنية أو أسبوعية هدفها نقل الوقائع المغلوطة في محاولة إضعاف الأصوات الحرة و الصحافة الوطنية الحقيقية التي تشتغل بالنقد و التوجيه الحقيقي حتى يدفع المسؤولين تحت الضغط الإعلامي الى اصلاح الاعوجاج القائم.
ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك المواقع الإخبارية الالكترونية التي أفرزها الربيع العربي حتى بدأت تتناسل كالفطر صحافة جديدة لا رأس و لا رجل لها و لا قيمة لها و هي مبنية على نشر الميوعة و قد تذهب بالمتتبع الى نشر حتى الجسد العاري لكسب المشاهدات و الملايين من عائدات” الادسنس”.
تحركت المكينة الإعلامية الجديدة البيئسة و التي بات الكثير يشجعها بعد أن وجد ضالته فيها،و نتج عن ذلك بروز صحافة “البونيط” او الميكروفون” و بات من لا شغل له الا البحث عن هاتف ذكي و له صفحة فايسبوكية او صفحة اجتماعية و يذهب لشراء “البونيط” ليدخل عالم النقل المباشر الذي أحدثه “الفايسبوك” و هي خاصية جديدة قد تنقل لك كل شيء و بالمباشر و يتم مشاهدته عبر بقاع العالم بسبب التكنولوجيا الحديثة التي ساهمت بشكل سلبي لنخر كيانات مجتمعية.
وبات المغاربة محاصرين في منازلهم وهم مرغمين على مشاهدة صحافة “البونيط” و التي غالبا ما تنقل حالة الأسواق و حالة ثمن الدجاج و غير ذلك من الاخبار و التي لا قدم لها في عالم الاعلام الحقيقي،او بعض المواقع التي تخصصت في الابتزاز من خلال نشر الحياة الخاصة للافراد او الضرب في مجهودات الدولة و المؤسسات او التشهير بمسؤولين او الدفع بالتحريض من أجل أفعال إجرامية او الاحتجاج.
مجمل ما يتم نقله من طرف ما يسمون أنفسهم إعلاميين يكون ذات مستوى منحط لأنه لم يتلقى يوما تكوينا سياسيا و لا اكاديميا و لا درسا في علوم الصحافة البعيدة عن عالم “البونيط” و الميكروفون الذي بات يتسابق عليه الفنانون و الساسة فيمكن لك ان تجد تغطية إعلامية بالعشرات من “البونيط” تحاصر فنان ما او مؤثر و لا يمكن ان تجد ولا واحد اذا كان الامر يتعلق بعالم الذرة او مثقف يعقد ندوة صحفية لتقديم أعماله.
الغريب في الامر هو ان الصحافة الالكترونية و الصفحات الفايسبوكية باتت اليوم تساهم بشكل سلبي في نقل وقائع غير صحيحة و تحاول تضخيم عدة ملفات و هي فارغة المحتوى و تصدر أحكاما قبلية في ملفات قضائية وهو ما عجل مؤخرا من النيابة العامة تحريك المتابعة في حق عدد من المؤثرين و الصحافيين الذين تناولوا ملف “إسكوبار الصحراء” من خلال المس بشخصيات و مؤسسات وطنية،او كما وقع مؤخرا كذلك من خلال المس بكرامة أساتذة في الطب بعد ان تم الاستماع اليهم في ملف عادي غير ان الجميع بات ينقل العشرات من الاعتقالات الغير الموجودة الا في “البونيط” الذي يقتاتون منه.
و بات اليوم أي من يحسب نفسه على الجسم الصحفي ان يغطي حدثا و هو لا يعرف أي معطيات على ما يقع و لا مرجعية له فهناك من يسقط في المحظور من خلال نقل وقائع مغلوطة و يقدمها كخدمة او مادة إخبارية للعموم حتى اصبح الجميع يواكب هذه الصفحات و هو يبني صورة خاطئة على مجموعة من الوقائع الغير الموجودة و يتم تداولها بانها صحيحة.
المغرب يواجه تحديات كبيرة والمملكة ينتظرها ملفات ضخمة وذلك فهي محتاجة الى إعلام قادر على مقارعة الأفكار والرد على الأعداء الذين يسخرون كل الوسائل ليكون عندهم إعلام مكون كتكوين عسكري وليس إعلام “البونيط” لنقل خبر الفنانات وخبر ثمن الخضر و الدجاج بالأسواق.
المملكة اليوم يجب ان تفكر في الاعلام القوي و في رجال ونساء الاعلام الذين يمتلكون الكفاءة و خزان وقود مليء بمواد قابلة للنيل من الخصوم و الأعداء و ان يكون لنا إعلام وطني كما كان سابقا يواكب الاحداث حينها و يرد على من يحاول المس بالوطن،و ان نقطع مع الميوعة و على المؤسسات الا تدخل الى نفق دعم ثقافة “البونيط” بقدر ما على الجميع إنتاج منتوج إعلامي يخدم الوطن و يساهم في تأطير المواطن و فتح له مجال واسع لانتقاد الادارات و المؤسسات و جميع المسؤولين من خلال نقد بناء ينبني على وقائع حقيقية بعيدا عن أي ضغط او تصفية حسابات.
إعلام “البوينط” سيفرز لنا جيل فاشل و مجتمع يعيش في الأوهام و مغرب ضعيف ووطن غير قادر على مقارعة الخصوم و الأعداء لذا وجب التفكير جليا في ان نتجاوز ما نقع فيه اليوم لأنه نتاج موازي ما يقع للأحزاب السياسية التي أفرغت من محتواها و باتت أن تصبح السياسة بدون ساسة.
الوطن للجميع وعلى الجميع ان يساهم للدفاع عليه وللدفاع على ثوابت الامة وعلى الوحدة الترابية وعلى المؤسسات و لن يأتي ذلك الا من خلال سلطة رابعة لها ما لها من قوة و مرجعية فكرية و خزان معطيات يتم استغلالها في مقالات و تصاريح قوية خدمة أولا و أخيرا للرسالة الإعلامية النبيلة و خدمة لمصالح الامة لان العالم اليوم و المستقبل سيواجه حروب اكثر دقة تعتمد على الاختراق الإعلامي ووصولا الى الذكاء الاصطناعي و الامن السيبراني.
فاس24: عبدالله مشواحي الريفي