سياسة

“20 سنة من الجريمة بالمغرب: أرقام صادمة تكشف انفجار قضايا الرشوة وجرائم العنف وصعود الجريمة الرقمية”

تقرير صحفي خاص :فاس 24

في تقرير صادم يحمل دلالات عميقة حول التحولات الاجتماعية والمؤسساتية بالمغرب خلال العقدين الأخيرين، كشف المرصد الوطني للإجرام التابع لوزارة العدل عن ارتفاع غير مسبوق في منسوب الجريمة بمختلف أصنافها بين سنتي 2002 و2022، مع تسجيل قفزة مهولة في جرائم الفساد التي يرتكبها الموظفون العموميون، وفي مقدمتها الرشوة واستغلال النفوذ.

التقرير، المعنون بـ “معالم إحصائية للجريمة بالمغرب بين 2002 و2022”، يقدم خريطة دقيقة لمسار الجريمة بالمملكة، ويظهر بوضوح اتجاهاً تصاعدياً مثيراً للقلق في حجم القضايا المعروضة على القضاء. فمن أصل 20 سنة من الرصد، تم تسجيل أزيد من 10 ملايين و94 ألف قضية، توبع على إثرها أكثر من 12 مليون شخص، وهو رقم يعكس ضغطاً مهولاً على المنظومة القضائية وعلى مختلف مؤسسات الضبط والمراقبة.

2022… سنة الذروة والانفجار

شهدت سنة 2022 وحدها أكثر من مليون قضية، فيما بلغ عدد المتابعين حوالي 1.5 مليون شخص، وهي أعلى نسبة خلال كامل الفترة المدروسة. ويُعزى هذا الارتفاع الاستثنائي، بحسب التقرير، إلى تداعيات جائحة كوفيد-19، وما رافقها من خرق للطوارئ الصحية، حيث لوحدها مثلت 468 ألف قضية، متبوعة بمتابعة أكثر من 577 ألف شخص في ملفات مرتبطة بإجراءات الحجر الصحي والقيود الوقائية.

الخريطة النوعية للجريمة: الأولوية للقوانين الخاصة

تكشف المعطيات أن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة — مثل مدونة السير وجرائم المخدرات والقوانين التنظيمية — تتصدر المشهد الإجرامي خلال العقدين الماضيين. وتأتي بعدها الجنايات والجنح ضد الأشخاص، ثم الجرائم المالية ضد الممتلكات، بينما تحتل الجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة المرتبة الرابعة.

جرائم الفساد… تضاعف بـ9 مرات

أحد أخطر ما جاء في التقرير هو الانفجار الكبير في جرائم الفساد داخل الإدارة المغربية. فقد تضاعفت هذه الجرائم بنحو 9 مرات بين 2002 و2022، حيث قفزت من 2300 قضية إلى أكثر من 20 ألف قضية. وتتقدم الرشوة كل أشكال الفساد المسجلة بـ 197 ألف متابع، أي نحو 99% من مجموع جرائم الفساد.
كما سجل التقرير حوالي 4000 متابع في قضايا اختلاس المال العام وتبديده، يليها استغلال النفوذ والغدر، ما يعكس استمرار مظاهر الانحراف الوظيفي وضعف آليات الحكامة داخل عدد من الإدارات والمؤسسات العمومية.

جرائم العنف ضد الأشخاص… الواجهة الأكثر حضوراً

في مستوى آخر، تظل الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص في مقدمة الملفات الرائجة أمام المحاكم، حيث بلغت خلال العقدين الماضيين أكثر من 2.25 مليون قضية، توبع فيها ما يفوق 2.8 مليون شخص. وتشكل هذه الفئة وحدها 22.77% من مجموع الجريمة المسجلة، ما يعكس ارتفاع منسوب العنف داخل المجتمع، وتزايد النزاعات الفردية والأسرية، واتساع دائرة الإحساس بانفلات القيم وتراجع الروابط الاجتماعية.

الجريمة الرقمية… صعود متواصل منذ 2003

من جهة أخرى، سجّل التقرير ارتفاعاً تدريجياً في الجرائم الإلكترونية، خصوصاً تلك المرتبطة بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، وهي جرائم تضاعفت بشكل لافت مع توسع استعمال الإنترنت، وانتشار الهواتف الذكية، وتنامي الجرائم المالية الإلكترونية.

ترتيب الجريمة خلال 20 سنة

وفق أرقام المرصد، يتشكل الترتيب الهرمي للجريمة بالمغرب كما يلي:

  1. جرائم القوانين الخاصة

  2. الجنايات والجنح ضد الأشخاص

  3. الجنايات والجنح ضد الأموال

  4. الجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة

  5. الجنايات والجنح ضد الأمن العام

  6. الجرائم المرتكبة من طرف الموظفين ضد النظام العام

  7. جرائم التزييف والانتحال

  8. الجنايات والجنح المرتكبة من طرف الأفراد ضد النظام العام

  9. الجرائم الماسة بأمن الدولة

  10. الجرائم الإلكترونية ضد نظم المعالجة الآلية للمعطيات

  11. الجرائم الماسة بالحريات والحقوق الفردية (275 قضية فقط خلال 20 سنة)

مؤشرات مقلقة… وتحديات قادمة

تؤكد هذه الأرقام أن المغرب يقف اليوم أمام تحديات معقدة:

  • تفشي الفساد في الإدارة العمومية

  • تصاعد العنف بين الأفراد

  • انتشار الجريمة الرقمية

  • ضغط مهول على المحاكم وأجهزة الأمن

  • تغير البنية الاجتماعية والاقتصادية للسكان

ويدعو التقرير، ضمناً، إلى ضرورة تعزيز آليات الشفافية، وإصلاح الإدارة، وتزويد أجهزة الأمن والقضاء بوسائل أكثر تطوراً، إلى جانب إطلاق برامج وقائية موجهة للشباب والطبقات الهشة.

إنه تقرير يفتح الباب على نقاش وطني واسع حول مستقبل الأمن المجتمعي، وكيفية إعادة بناء الثقة في المؤسسات، وتحصين المغاربة من موجات الجريمة التي تضرب في العمق منظومة القيم والسلوك داخل المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى