قانون المالية 2026… ستة أيام من الجدل تحت قبضة حكومية صارمة وثلث النواب خارج لحظة الحسم

تحوّل النقاش حول مشروع قانون المالية لسنة 2026 داخل البرلمان إلى واحدة من أكثر المحطات السياسية دلالة هذا العام، بعدما كشفت مجريات مناقشته عن مفارقات حادة بين حكومة تُمسك بمفاتيح القرار المالي بقبضة حديدية، وبرلمان تُظهر أرقامه مستويات مقلقة من الغياب والتردد، مقابل زخم شعبي رقمي غير مسبوق في متابعة تفاصيل النقاش.
على مدى 49 ساعة من المناقشات المتواصلة داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، وعلى امتداد ستة أيام متتالية، واجه النواب واحداً من أكثر المشاريع حساسية في الدورة التشريعية. لكن المفاجأة كانت في أن ثلث أعضاء اللجنة غابوا عن الاجتماعات، في لحظة يُفترض أن تكون فيها المشاركة التامة واجباً سياسياً وأخلاقياً، بالنظر إلى الطابع المصيري للمشروع المالي الذي يحدد ملامح سنة كاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
30 تعديلاً فقط من أصل 350… انضباط حكومي لا يترك مجالاً للمفاجآت
التقرير المفصل للجنة المالية، والذي صودق عليه بعد نقاش طويل، كشف أن الحكومة قبلت 30 تعديلاً فقط من أصل 350 تعديلاً قدمتها مختلف الفرق البرلمانية.
بالمقابل، تم رفض 236 تعديلاً وسحب 62 أخرى، ما يعكس بوضوح رغبة حكومية في الحفاظ على البنية الصلبة لمشروع القانون دون إدخال تغييرات يمكن أن تُربك خياراتها الكبرى.
ورغم كثافة النقاش، انتهى المسار بالتصويت لصالح المشروع بـ 24 صوتاً مؤيداً مقابل 10 معارضين، دون تسجيل أي امتناع، في صورة تجسد اصطفافاً سياسياً واضحاً داخل اللجنة، وتماسكاً حكومياً مكّن من تمرير المشروع دون اضطرابات داخلية.
أرقام تكشف غياباً مقلقاً… وحضوراً رقمياً غير مسبوق
خلال الاجتماعات الـ12 التي عقدتها اللجنة، بلغت نسبة الحضور 67% فقط، مقابل 33% من الغياب، فيما وصلت نسبة الاعتذار الرسمي إلى 11%، وهي معطيات تعيد طرح سؤال الالتزام التمثيلي في لحظة حساسة ترتبط بالمال العام.
في المقابل، أظهر التقرير معطيات لافتة حول متابعة الرأي العام للنقاش:
-
24 ساعة من البث المباشر للمناقشة العامة عبر قناة البرلمان.
-
60 ألف مشاهدة على يوتيوب.
-
أكثر من 226 ألف مشاهدة على صفحة المجلس في “فيسبوك”.
-
3000 تفاعل و 500 مشاركة.
-
62 ألف مشاهدة على منصة “إنستغرام”.
وهو ما يعكس انتقال النقاش البرلماني من الجدران المغلقة إلى فضاءات التواصل الحديثة، حيث بات الجمهور يتابع عن قرب تفاصيل تدبير المال العام، في مفارقة مع غياب عدد من ممثليه داخل القاعة.
474 مداخلة و1860 سؤالاً… نقاش مكثف يلامس قضايا جوهرية
بلغ عدد المتدخلين خلال المناقشة العامة 474 نائباً، مقابل 434 متدخلاً خلال مناقشة المواد، ليصل عدد الأسئلة المطروحة داخل اللجنة إلى 1860 سؤالاً.
أسئلة تمحورت حول:
-
الإصلاحات الضريبية.
-
تمويل القطاعات الاجتماعية.
-
نجاعة الدعم المباشر.
-
الاستثمار العمومي.
-
التوازنات المالية للدولة.
وهو حجم يعكس كثافة غير مسبوقة في النقاش التفصيلي، حتى وإن بقي تأثيره الفعلي محدوداً أمام ارتفاع منسوب الانضباط الحكومي.
تعديلات كثيرة… وتوافق محدود
أظهر التقرير أن الحكومة قبلت:
-
21 تعديلاً من فرق الأغلبية.
-
تعديلين للفريق الحركي.
-
تعديلين لفريق التقدم والاشتراكية.
-
تعديلين للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية.
بينما سحبَت الفرق عدداً كبيراً من تعديلاتِها بعد مفاوضات تقنية وسياسية، في مؤشر على أن النقاش داخل اللجنة لم يكن فقط تقنياً، بل شمل توازنات دقيقة ومحاولات للضغط والتفاوض.
البرلمان بين اختبار الفعالية… وتزايد الرقابة الشعبية
ما يقدمه التقرير ليس مجرد معطيات رقمية، بل صورة مركّبة عن البرلمان المغربي وهو يتعامل مع واحد من أهم أوراشه التشريعية. فبين:
-
أغلبية متراصة خلف الحكومة،
-
معارضة تسعى لتسجيل مواقف جزئية،
-
وثلث نواب اختاروا الغياب في لحظة مفصلية،
يتشكل مشهد سياسي يختزل واقع التوازنات داخل المؤسسة التشريعية.
في المقابل، بدأ الجمهور يراقب ويسائل ويتفاعل، في وقت تخوض الحكومة معركتها لتثبيت الخيارات المالية دون السماح بأي تغيير يمس جوهر توجهاتها.
خلاصة: نقاش مالي بنكهة سياسية… ورهانات تتجاوز الأرقام
تقرير لجنة المالية حول مشروع قانون المالية 2026 يكشف أن النقاش حول المال العام لم يعد نقاشاً تقنياً معزولاً، بل أصبح ساحة مواجهة سياسية بين حكومة متمسكة بخياراتها وبرلمان بوزن متذبذب بين الحضور والغياب.
كما يكشف أن الرقابة الشعبية عبر المنصات الرقمية بدأت تأخذ مكانها إلى جانب الرقابة البرلمانية، في وقت يتجه فيه الرأي العام أكثر فأكثر نحو متابعة تفاصيل المالية العمومية.
وفي النهاية، ورغم مرور المشروع “بصمت حكومي” واضح، فإن سؤال الفعالية البرلمانية، وحقيقة التمثيلية، وقدرة البرلمان على التأثير في الخيارات الاقتصادية، يبقى العنوان الأكبر الذي يفرض نفسه بقوة على النقاش العام.






