فاس 24 تضعكم في التفاصيل الكاملة لتفكيك شبكة”العشاء” لترويج الكوكايين بفاس… عملية استخباراتية محكمة تُسقط 6 متورطين بعد أسابيع من التتبع

شهدت مدينة فاس واحدة من أكثر العمليات الأمنية دقة واحترافية أمس الأحد(17 نونبر 2025)، بعدما تمكنت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبر مصالحتها الجهوية بفاس، من الإطاحة بشبكة متخصصة في ترويج الكوكايين كانت تنشط في عدة مناطق بالمدينة. العملية جاءت في سياق مواجهة متصاعدة مع شبكات المخدرات الصلبة، واعتمدت على تتبع طويل ودقيق امتد لأسابيع قبل الوصول إلى لحظة التدخل الحاسم.
فكّ شيفرة التواصل السري… بداية تفكيك الشبكة
مصادر مطلعة أكدت لـ“فاس 24” أن نقطة الانطلاق كانت رصد استعمال عبارة مشفرة بين المدمنين والمروجين، وهي كلمة “أرسل لي العشاء”، التي تعني في لغة ترويج المخدرات: “أحضر لي الكوكايين”. هذه الجملة التي بدت في الظاهر بريئة، تحولت إلى المفتاح الأول الذي سمح لعناصر الاستخبارات بفاس بفهم نمط التواصل داخل الشبكة.
وبعد التقاط الإشارة الأولى، شرعت مصالح الديستي في تحليل الاتصالات المشبوهة، ورسم خريطة العلاقات بين المتصلين الذين يستعلمون عدة أرقام هاتفية ، قبل تحديد مسارات التنقل، الطرق المستعملة، ونقاط الالتقاء بالليل و النهار. عملية الرصد هذه استغرقت عدة أسابيع، وتم خلالها جمع معطيات دقيقة حول شبكات التوزيع، السائقين، والوسطاء، قبل بناء تصور شامل عن البنية التنظيمية للمجموعة الإجرامية.
تدخلات متزامنة في ثلاث نقاط… خطة تعتمد عنصر المفاجأة
بعد اكتمال الصورة الأمنية، تم التنسيق مع الإدارة العامة للأمن الوطني لتنفيذ سلسلة من التدخلات المتزامنة في ثلاث مناطق رئيسية بالمدينة. التحرك اعتمد على عنصر المباغتة و نفس التوقيت لمنع أي محاولة للهروب أو التخلص من الكميات المحجوزة.
طريق عين الشقف – قرب مقهى لونيكا
هذه كانت النقطة الأكثر نشاطاً ضمن الشبكة، حيث رُصدت تحركات وسيطين رئيسيين يتكلفان بتسليم “الطلبيات” عبر سيارة خفيفة. التدخل السريع أسفر عن توقيفهما دون مقاومة، وحجز جزء من المواد المخدرة.
حي واد فاس
المنطقة عُرفت بكونها ممراً نشطا التي يتم عبرها تسليم “العشاء” بسرعة وفي أوقات مختلفة. فرق الشرطة القضائية و بتوجيه من عناصر الإستخبارات بفاس نفذت عملية مباغتة مكّنت من اعتقال عنصرين إضافيين كانا يديران حلقة مهمة من توزيع المخدرات.
حي باب الفتوح
هنا كانت تتم عمليات التنسيق. التدخل مكن من توقيف عنصرين آخرين، وحجز مبلغ مالي مهم يفوق 10 ملايين سنتيم، إضافة إلى كميات من الكوكايين المعد للتوزيع.
ستة موقوفين… وكيلوغرام من الكوكايين ومبالغ مالية تكشف حجم التجارة
العملية، في محصلتها النهائية، أسفرت عن توقيف ستة أفراد من ذوي السوابق القضائية، ثلاثة منهم صدرت في حقهم مذكرات بحث وطنية في قضايا مماثلة. كما تم حجز:
-
1 كيلوغرام من الكوكايين عالي الجودة،
-
مبلغ مالي قيمته 100 ألف درهم يُشتبه في كونه من عائدات التجارة غير المشروعة،
-
مركبات كانت تستعمل في عمليات التوصيل السريع.
مصادر متطابقة أكدت أن الشبكة كانت تعتمد أسلوب الحركة المتغيرة، تغيّر نقاط التسليم بشكل يومي، وتعمل على تفادي أي نمط يمكن رصده من طرف أجهزة المراقبة، لكن الاحترافية العالية لعناصر الاستخبارات بفاس جعلت من هذا “التخفي” مجرد محاولة فاشلة.
الأبحاث القضائية متواصلة… وشركاء مفترضون في دائرة الاشتباه
المعلومات المتوفرة تشير إلى أن العملية لم تتوقف عند حدود توقيف ستة متورطين، فالأبحاث القضائية الجارية، تحت إشراف النيابة العامة، تستهدف كشف امتدادات الشبكة والجهات التي تزودها بالكوكايين، إضافة إلى تحديد الهوامش المالية التي تحركها.
وتتحدث مصادر “فاس 24” عن سيناريوهات قوية يجري التحقيق فيها، أهمها:
-
وجود عناصر إضافية كانت تتولى تسليم الكوكايين ليلاً عبر محاور مختلفة،
-
احتمال ارتباط الشبكة بممون وطني أو حتى دولي،
-
استغلال سيارات مختلفة و مطموسة للتمويه،
-
استعمال وسطاء غير معروفين لدى الأمن لتقليص المخاطر.
رجال الإستخبارات بفاس المكلفين بالملف، يعملون حالياً ضد الساعة لمطاردة شركاء مفترضين، ومن المنتظر أن تكشف الساعات المقبلة عن معطيات جديدة تقود إلى توقيف أسماء أخرى.
قيمة استخبارات فاس… حضور قوي وعمليات متفوقة في مكافحة المخدرات الصلبة
تعزز هذه العملية صورة مصالح الديستي بفاس كواحدة من أكثر الوحدات فعالية في تفكيك الشبكات الإجرامية المتعلقة بالمخدرات الصلبة. فعلى امتداد السنوات الأخيرة، أظهرت الأجهزة بفاس قدرة كبيرة على:
-
تحليل أنماط العمل داخل الشبكات،
-
اعتراض الاتصالات السرية،
-
تتبع تحركات المشبوهين لأيام وأسابيع،
-
وتنسيق التدخلات بدقة عالية دون حدوث أي تسريب للمعلومات.
هذه العملية ليست استثناءً، بل نتيجة لمسار طويل من تطوير الآليات الاستخبارية والأمنية بمدينة فاس، التي باتت اليوم أكثر صرامة و إحترافية في مواجهة تجارة السموم البيضاء.
عملية نظيفة ضربت قلب الشبكة… والملف لا يزال مفتوحاً
تفكيك هذه الشبكة يمثل خطوة مهمة في الحرب ضد المخدرات الصلبة، لكنه ليس النهاية. فالأجهزة الأمنية ما تزال تبحث عن الأطراف المتبقية، فيما ينتظر أن تُسفر التحقيقات الجارية عن مفاجآت أخرى تخص التمويل، طرق الإمداد، وارتباطات الشبكة.
فاس 24 ستواصل متابعة الملف وتقديم كل المستجدات المرتبطة به، في معركة لا تزال مفتوحة، ومع شبكات لا تتوقف عن تطوير أساليبها، لكن أجهزة الاستخبارات بفاس تبدو حتى الآن أكثر استعداداً، وأكثر قدرة على ضبط خيوط اللعبة قبل أن تتحول إلى خطر أكبر.
علب ليلية تحت المجهر… فضاءات تتحول إلى محطات توزيع خطيرة للكوكايين
مصادر محلية تحدثت لـ“فاس 24” عن جانب آخر بالغ الخطورة يفاقم توسع شبكات الكوكايين، ويتعلق ببعض الفنادق والعلب الليلية المنتشرة خصوصاً على طريق صفرو وطريق عين الشقف و طريق إيموزار، والتي باتت تُصنّف، وفق المعطيات المتوفرة، ضمن “المناطق الآمنة” بالنسبة للمروجين. هذه المؤسسات، التي تشتغل خارج الضوابط القانونية وتواصل نشاطها إلى غاية ساعات الصباح الأولى، توفر غرفاً سرية للمرتادين والمرتدات، وتتحول ليلاً إلى فضاء مغلق تتم داخله عمليات وحتى داخل المراحيض بيع مخدرات صلبة بعيداً عن أعين الرقابة.
وتشير المعطيات إلى أن هذه العلب تحولت إلى نقاط ساخنة يتم عبرها تنظيم عمليات توزيع واسعة تستهدف الزبائن الذين يقصدون المكان خصيصاً للحصول على “العشاء” في صيغته الإجرامية. وهو ما أدى إلى نشوء محيط اجتماعي هشّ على أطراف المدينة، يفرّخ الجريمة والعنف، ويزيد من انتشار استهلاك مختلف أنواع المخدرات، في وضع بات يُهدد بشكل مباشر الأمن الاجتماعي ويخلق بؤراً مضطربة تتطلب تدخلاً صارماً وحاسماً.






