فاس تحت العطش في عز “الرالي العالمي”: أزمة تتفاقم وانقطاع يثير الغضب الشعبي

تعيش مدينة فاس منذ مساء السبت وضعاً خانقاً بسبب الانقطاع المفاجئ للماء الصالح للشرب عن عدد كبير من الأحياء السكنية دون إشعار مسبق، في واحدة من أخطر الأزمات المرتبطة بالمرفق العمومي الحيوي الذي يفترض أن يكون محمياً ومؤمّناً لخدمة السكان. الانقطاع استمر لساعات طويلة امتدت إلى فجر الأحد و لتعاود الإنقطاع على مدار اليوم في أحياء مثل زواغة، طريق صفرو، بندباب، عين قادوس، النرجس، سيدي بوجيدة، بنسودة، الأدارسة ومناطق أخرى، حيث وجد المواطنون أنفسهم أمام عطش قاسٍ وارتباك يومي ومعاناة معيشية فجائية.
البلاغ الصادر عن الشركة الجهوية متعددة الخدمات فاس–مكناس، التي تتولى توزيع الماء بالمدينة، حمّل المسؤولية لـ”عطب تقني” في منشآت المكتب الوطني للكهرباء والماء – قطاع الماء بمنطقة إيموزار كندر. لكن لغة البلاغ كانت غامضة وضعيفة وغير شفافة، ولم تقدم أي تفاصيل حول طبيعة العطب أو مدته أو خطة للطوارئ، ما فتح الباب أمام سخط واسع وتشكيك في مصداقية التبريرات الرسمية.
الأوساط المحلية تساءلت كيف يمكن انقطاع الماء بهذا الشكل الشامل في مدينة كبرى كفاس دون أن تكون هناك خطة بديلة أو تدخل استباقي؟ وكيف تسمح الشركة الجهوية والمكتب الوطني لأنفسهما بقطع مورد حيوي بهذه الطريقة دون تقدير لحاجيات الأسر، المستشفيات، المساجد والمخابز والمؤسسات التي تعتمد على الماء بشكل يومي؟
المثير أكثر أن أزمة العطش الغامضة تزامنت مع توافد أكثر من 1000 مشارك أجنبي وعشرات الفرق الدولية على فنادق فاس للمشاركة في “الرالي الدولي فاس–مرزوكة” الذي انطلق صباح الأحد. مصادر مؤكدة أكدت أن الفنادق المصنفة في وسط المدينة لم تشهد أي انقطاع في الماء، ما أثار اتهامات واضحة بوجود تمييز مقصود بين خدمة الزوار الأجانب وبين سكان المدينة، في صورة تمس بسؤال الكرامة قبل الخدمات.
عدد من المواطنين عبروا عن غضبهم قائلين إن الشركة الجهوية تتقن قطع الماء عند التأخر في أداء الفواتير، لكنها تفشل في تأمين الخدمة حين يتعلق الأمر بمسؤولياتها. آخرون اعتبروا أن البلاغ لم يكن سوى محاولة لتسكين الرأي العام دون كشف الحقيقة، فيما تساءل البعض: أين هي الاستثمارات التي يتم الترويج لها سنوياً في قطاع الماء؟ ولماذا تتكرر الأزمة نفسها كل عام دون حلول جذرية؟
الوضع كشف أيضاً فشلاً في إدارة الأزمات داخل الشركة الجهوية والمكتب الوطني للماء. فلا صهاريج متنقلة تم إرسالها للأحياء المتضررة، ولا خطوط طوارئ تم تفعيلها للتواصل مع المواطنين، ولا حتى احترام لحق الساكنة في المعلومة. كل ما حدث هو نشر بلاغ متأخر للتهرب من المساءلة، مع تحميل “عطب تقني” مسؤولية فوضى مائية ضربت مدينة بأكملها.
المتتبعون يؤكدون أن المشكل بنيوي ولا علاقة له فقط بعطب مفاجئ، بل مردّه إلى:
-
غياب الصيانة الاستباقية لمحطات الإنتاج
-
ضعف استثمارات البنية التحتية للماء
-
تهالك شبكة التوزيع
-
انعدام نظام بديل للطوارئ
-
غياب الحكامة وضعف التنسيق بين الإدارة التقنية والاتصال
- نقص في المياه من المصدر بسبب غياب التساقطات المطرية و توالي الجفاف
في الوقت الذي تعاني فيه أحياء شعبية كاملة من العطش، خرجت الشركة لتطلب من السكان “ترشيد استهلاك الماء”، وهو ما اعتبره مواطنون خطاباً استفزازياً في ظل حرمانهم من مورد الحياة الأساسي.
الأزمة الحالية أعادت طرح سؤال الشفافية والمسؤولية في تدبير قطاع الماء بجهة فاس–مكناس. فالمواطن لا يطلب المستحيل؛ فقط خدمة تحترم حقوقه، معلومات دقيقة عند الطوارئ، نظاماً يضمن الحد الأدنى من الأمن المائي، ومحاسبة لمن تسببوا في تعريض المدينة لعطش مهين.