قضايا

صيد النفوذ.. تجاوزات خطيرة تضرب عرض الحائط قوانين القنص بمحميات فاس مكناس!

تحقيق صحفي خاص: فاس 24

تُعتبر جهة فاس مكناس، بمناطقها الجبلية والغابوية الساحرة، خاصة في أقاليم تاونات وبولمان وإيفران وتازة، خزاناً حيوياً للثروة الوحيشية بالمغرب. غير أن هذا الغنى الطبيعي بات اليوم تحت رحمة فوضى عارمة، عنوانها الأبرز هو “صيد النفوذ” الذي يستبيح المحميات، و**”تجاوزات خطيرة”** في تدبير رخص القنص. وبينما تسعى الوكالة الوطنية للمياه والغابات لـ”رقمنة” القطاع كخط دفاع، يظل التحدي الحقيقي كامناً في الصرامة الإدارية وتطبيق القانون على “ذوي النفوذ” الذين يعتقدون أنهم فوق المساءلة.

1. “بلاك ليست” مُهمَلة: تجديد الرخص بعيداً عن التقارير الأمنية

يكشف الملف عن ثغرة قاتلة في عملية تجديد رخص القنص داخل عمالات وأقاليم الجهة. فالمعطيات تؤكد أن التجديد يتم في كثير من الأحيان دون اللجوء إلى تقارير جديدة تقيّم سلوك القناصين. والأخطر من ذلك، هو تجديد الرخص لأشخاص ثبتت في حقهم عقوبات سابقة أو يشكلون خطراً على النظام العام والمجتمع بسبب عداوتهم الموسعة وصراعاتهم مع الأطراف، وكأن الإدارة تتغاضى عن سجلاتهم الجنائية والأمنية.

هذا التراخي الإداري هو ما يغذي فرضية “التدخلات” و”المحسوبية”، ما يسمح لأصحاب النفوذ بالحفاظ على رخص القنص والسلاح المرتبط بها، في تحدٍ صارخ لمبدأ العدالة والمساواة أمام القانون. وقد أصبحت ظاهرة القنص العشوائي، التي بلغت حد المواجهات المسلحة في تاونات، دليلاً على أن الرخص في أيدي من لا يستحقونها.

2. المحميات تحت الاستباحة: المياه والغابات في قفص الاتهام

تتحمل المديرية الجهوية للوكالة الوطنية للمياه والغابات بفاس مكناس، مسؤولية مباشرة عن حالة التدهور في المحميات. فرغم الجهود المعلنة، يبدو أن وجودها الميداني ضعيف جداً أمام جبروت المخالفين.

المحميات الغابوية المؤجرة والمحميات الدائمة تُستباح، ويُمارس فيها القنص الجائر خارج الأوقات والأماكن المحددة، وهو ما يسرّع من تراجع أعداد الطرائد. هذا التدهور يتفاقم بسبب التحدي المزدوج المتمثل في توالي سنوات الجفاف وتدهور الغطاء النباتي الذي قضى على بيئة تكاثر الوحيش، ما يعني أن القنص الجائر في هذه الظروف يصبح تهديداً وجودياً حقيقياً للطرائد التي باتت أعدادها غير متوفرة بشكل مقلق.

3. الرقمنة.. سيف الإدارة أم درعها الواقي؟

في إطار استراتيجيتها “غابات المغرب 2020-2030″، تتخذ الوكالة الوطنية للمياه والغابات خطوات مهمة لمكافحة القنص الجائر عبر الرقمنة وتحديث نظام المراقبة.

أبرز الإجراءات الرقمية والميدانية للوكالة:

  • التطبيقات التفاعلية: تم إطلاق تطبيقات توفر خرائط تفاعلية للمحميات والمناطق المؤجرة للقنص، بهدف تمكين القناصين من تحديد المناطق المفتوحة والمغلقة بسهولة، كما يتم اختبار تطبيق خاص بجهة فاس مكناس لرقمنة مسطرة إيجار حق القنص.

  • تعزيز المراقبة الميدانية: تكثيف عمليات المراقبة والتدخل بالتعاون مع الدرك الملكي والسلطات المحلية والحرس الجامعي، ما أسفر عن تحرير عشرات المحاضر وتوقيف مخالفين في مناطق مختلفة، بما في ذلك في تاونات.

  • التعامل الصارم مع المخالفات: تؤكد الوكالة التزامها بتطبيق عقوبات صارمة على المخالفين، ومن أبرز المخالفات المرصودة هي القنص في المحميات أو الأراضي المؤجرة واستخدام وسائل محظورة والقنص في فترة الإغلاق.

ورغم أهمية هذه الإجراءات التقنية التي تهدف إلى “تضييق الخناق” على القنص غير القانوني وتسهيل التبليغ عن الأنشطة المشبوهة، إلا أن فعاليتها تظل رهينة بمدى قدرة الفرق الميدانية على التصدي لنفوذ المخالفين في الجهة، وعدم الاكتفاء بالتدخلات الاستعراضية.

دعوة للقطع مع “مرضى النفوذ”

لقد آن الأوان للسلطات العليا بالجهة للتحرك في هذا الملف وقيادة “حملة تطهير” حقيقية. يجب:

  1. القطع مع التدخلات بشكل جذري وتجريد كل من ثبت في حقه خرق للقانون أو خطر على الأمن من رخصة القنص، بغض النظر عن صفته ونفوذه.

  2. إصدار قرار مشترك ملزم يمنع الصيد بشكل مطلق في المحميات الأكثر تضرراً،و القطع مع التدخلات و إستعمال الصفة الوظيفية و الشطط في السلطة من أجل دخول المحميات، والدفع بمساءلة الأجهزة المكلفة بحراسة هذه المناطق في حالة الاستباحة.

  3. إحترام القانون والأجل والأماكن المحددة، وإلا فإن الفوضى ستنشر سمومها في كل غابة وكل دوار، وتُجهز على ما تبقى من إرث طبيعي.

  4. لقد آن الأوان للسلطات  بالجهة للتحرك في هذا الملف وقيادة “حملة تطهير” حقيقية. يجب: القطع مع التدخلات بشكل جذري وتجريد كل من ثبت في حقه خرق للقانون أو خطر على الأمن من رخصة القنص، والدفع بمساءلة الأجهزة المكلفة بحراسة هذه المناطق في حالة الاستباحة.

    تصاعد الخطر وصل إلى مستوى الاعتداء المسلح، حيث عرفت منطقة مولاي بوشتى التابعة لإقليم تاونات خلال أكتوبر المنصرم، حالة استنفار أمني واسعة، عقب حادث قنص عشوائي نفذته مجموعة من الأشخاص داخل مجال غابوي خاضع للكراء. وحسب مصادر خاصة، فإن حراس المجال حاولوا التدخل لإيقاف المتورطين بعد ضبطهم في حالة تلبس بصيد طيور الحجل، غير أن هؤلاء عمدوا إلى الفرار وإطلاق النار في اتجاه سيارة الحراس، ما تسبب في حالة ذعر. وعلى إثر الحادث، تحركت عناصر الدرك الملكي بشكل فوري، ووضعت سدوداً قضائية مكثفة في المنطقة، وشرعت في أبحاث معمقة لتحديد هوية الفاعلين وتقديمهم للعدالة.

لا مجال لـ “ذوي النفوذ” في التدخل في عملية القنص؛ فالصيد المُستدام يفرض احترام القانون و”استباحة المحميات” ليس سوى تعبير عن فوضى الأقوياء التي يجب أن تتوقف فوراً،و على السلطات و المياه و الغابات ان تتحرك في هذا الملف لأن ما يقع بات خارج نطاق المحاسبة و الرقابة الشفافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى