سياسة

حزب التجمع الوطني للأحرار: حصاد 2021 المُرّ… وبداية التفكك على أسوار فاس!

إن الانتصار الساحق الذي حققه حزب التجمع الوطني للأحرار (RNI) في انتخابات 2021 لم يكن سوى نصر بيروسي ثمنه باهظ، بدأ يتكشف اليوم كـ**”تآكل هيكلي”** ينذر بعواقب وخيمة قبل الاستحقاقات القادمة. فمع نهاية الولاية من قيادة دفة الحكومة، بدأت عواصف التفكك تعصف بالبنية الداخلية للحزب، وليس هناك أدل على ذلك من المشهد السياسي المرتعش في فاس ، التي تتحول إلى “عين العاصفة” التي تكشف الخلل الوطني.

لقد أصبحت  فاس  بمثابة المؤشر الصادق على بداية الضعف الذي ينخر حزب الأغلبية بوجوهه البئيسة. فالجهد الهائل الذي بُذل لتثبيت أقدام الحزب في هذه المنطقة الاستراتيجية بدأ يتراجع، معلناً فشلاً في تثبيت المكاسب السياسية. هذا التراجع ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لاستراتيجية اعتمدت على تدوير نفس الوجوه المتهالكة التي لا تمتلك قاعدة شعبية حقيقية.

إن الحزب يواصل، بعناد غريب، عملية “الرسكلة” البيروقراطية في تشكيل التنسيقيات والمسؤوليات المحلية، مقدماً وجوهاً أفلس رصيدها السياسي المنعدم منذ زمن، وهي وجوه لا تستطيع ضمان حتى صوتها الشخصي في صناديق الاقتراع. هذا التشبث بـ”الكراسي القديمة” هو الذي أدى إلى تنفير الكفاءات وإغلاق الباب في وجه النخب المحترمة التي تبحث عن ممارسة سياسية حقيقية.

يعيش حزب الأحرار اليوم أزمة نزيف كفاءات حادة. فبينما كانت الكاميرات تسلط الأضواء على النجاح الانتخابي، كانت الأبواب الخلفية تفتح لـرحيل وجوه وازنة غادرت القارب فعلياً، وأخرى تستعد لإعلان انسحابها. هذه الموجة من الهجرة ليست مجرد خلافات تنظيمية، بل هي احتجاج صامت على تحول الحزب إلى منصة للمصالح والتموقع، بعيداً عن المبادئ السياسية التي يرفعها.

لقد وجد “الغرباء والمتنطعين” الساحة السياسية فارغة تماماً. هؤلاء هم من استغلوا التراجع التاريخي للكفاءات التي “هاجرت ورجعت إلى الخلف”، ليحتلوا المواقع القيادية ويستفيدوا من غنائم الانتصار، ليتحول دور الحزب من جاذب للنخب إلى “مستقطب للفرص” التي تتوافق مع أجندات المصالح الآنية. هذا هو الحصاد المر الذي تنتج عنه قيادات لا تعكس ثقل الحزب في الحكومة.

لا يمكن الحديث عن أزمة الحزب دون الإشارة إلى الضربات الموجعة التي يتلقاها جناحه القيادي. إن الفضائح والملفات القضائية التي تلاحق “صقور” الحزب وقياداته  تضع علامة استفهام كبرى حول الثمن الحقيقي لـ”نصر 2021″.

إن حقيقة أن “الهرم يقبع في السجون” وأن “الصقور متابعة في ملفات قضائية” هو دليل قاطع على أن العملية السياسية الأخيرة أفرزت نخباً كان همها الأول هو “التموقع” والاستفادة من النفوذ قبل أي شيء آخر. هذا الانهيار الأخلاقي والقضائي ليس حادثاً عرضياً، بل هو نتيجة منطقية لنموذج سياسي يجعل الوصول إلى المسؤولية طريقاً لتعزيز المصالح الشخصية، ويجعل من الحزب “غطاءً” لهذا السلوك. هذا المشهد الكارثي لا يضع مصداقية الحزب وحده على المحك، بل مصداقية العملية الديمقراطية برمتها.

تتغذى أزمة الحزب على صراعات داخلية عميقة ستبرز حدتها مع اقتراب الاستحقاقات القادمة. الحزب منقسم اليوم إلى جناحين متناقضين:

  • جناح النخبة المجهضة: وهي فئة قليلة، لا تزال تحاول ممارسة السياسة بـ**”نزاهة وتجرد”**، وتؤمن بأن الحزب يمكن أن يكون قوة دفع حقيقية، لكن صوتها يكاد يكون مهمشاً.

  • جناح المصالح والغنيمة: وهو الجناح المنبوذ، الذي يرى في المسؤولية الحزبية والحكومية فرصة للتموقع وتأمين المصالح الاقتصادية والشخصية. هذا الجناح هو من يدفع بعملية رسكلة الوجوه الفاشلة لضمان استمرار سيطرته على المفاصل الحزبية.

هذا الصراع ليس نظرياً، بل سيتحول إلى “حرب تكسير عظام” داخلية في كل جهة، خاصة وأن التشكيلات الحزبية الجديدة (التنسيقيات) تُعاد بنفس الوجوه التي أثبتت عجزها عن ضمان حتى صوت واحد خارج شبكة المصالح الخاصة بها. هذا التناقض هو ما سيقصف وحدة الحزب داخلياً ويهدده بالتفتت أمام أي اختبار شعبي قادم.

إن ما يمر به حزب التجمع الوطني للأحرار اليوم ليس مجرد أزمة تنظيمية عادية، بل هو أزمة وجود ناتجة عن ثمن الفوز السياسي في 2021. لقد كان حصاد الانتخابات مُراً: صعود إلى السلطة أدى إلى نزيف الكفاءات، وتغول الفساد، والوقوع في شرك الملفات القضائية.

وبينما يتشبث قادة الحزب بخطاب الإنجازات الحكومية، فإن الواقع في فاس وغيرها من المدن يكشف عن تفكك داخلي وشلل تنظيمي. ما لم يتخذ الحزب قراراً جريئاً بـاقتلاع جذور المصالح والامتيازات التي تغلغلت في صفوفه، وفتح الباب فعلياً أمام النخب النزيهة، فإن “صقور المتابعات” و”أشباح الوجوه المعاد تدويرها” ستكون هي السبب في إسقاط الحزب أمام الناخب المغربي في أول استحقاق حقيقي، وهو ما سيجعل نصر 2021 مجرد “ذكرى مزعجة” لنصر زائف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى