مجتمع

تضاؤل اللهب: هل تهاوت “فلول جيل زد” بعد عودة “محتشمة”؟

بعد انطلاقها كـ”عاصفة رقمية” هزّت المشهد الاحتجاجي، بدأت “فلول جيل زد” التي قادت حراكاً شبابياً غير مسبوق في المغرب، تظهر عليها علامات “التراجع” و”التضاؤل” في الشارع. ففي الوقت الذي كانت فيه الدعوات الافتراضية تكتسب زخماً نارياً عبر وسم #GenZ212، وتحشد الآلاف في الساحات للمطالبة بإصلاحات في قطاعات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، فإن الوقفة التي نُظمت أمس السبت  عكست مشهداً “محتشماً” للغاية، لا يكاد يذكر مقارنة بزخم البدايات.

لقد كانت الشرارة الأولى، إثر تداول قضايا تتعلق بتردي الخدمات العمومية، كافية لتدفع بهذا الجيل، الذي نشأ على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، للخروج من خلف الشاشات إلى قلب الميدان. وبإمكانياتهم التنظيمية “اللامركزية” التي تعتمد على منصات مثل “ديسكورد” و”تيك توك”، نجح هذا الحراك في تجاوز الأطر التقليدية للتنظيمات السياسية والمدنية، وهو ما منحه قوة صدمة ورهبة لدى الرأي العام والمؤسسات.

لكن، يبدو أن هذه القوة قد بدأت في التبخر. فرغم الدعوات التي أُطلقت لاستئناف الاحتجاجات، وتجديد المطالب بعد فترة من التوقف، فإن العودة الفعلية للشارع جاءت “خجولة” و”بضع أشخاص” لا أكثر. هذا التراجع الملحوظ يطرح تساؤلات جدية:و هي  دلالة على “تهاوي الفلول”؟

خلفيات التراجع: صدمة الشارع وعوامل التفكك

إن المشهد “المحتشم” ليوم السبت يمكن ربطه بعدة عوامل ومجريات:

  1. صدمة الواقع والمواجهة: بعد انزلاق بعض الاحتجاجات الأولى إلى مواجهات عنيفة وأعمال شغب في بعض المدن، وما تبع ذلك من توقيفات وأحكام قضائية في حق العشرات من المشاركين، تلقى شباب هذا الجيل، الذي اعتاد التعبير عن غضبه في فضاء افتراضي “آمن”، صدمة قاسية بواقع الشارع المباشر وما يحمله من مخاطر قانونية وأمنية. وقد وثقت تقارير إعلامية حوادث دهس وإصابات، وهي أمور لم يكن في حسبان شباب يخرج لأول مرة.
  2. التحديات التنظيمية الداخلية: برغم عبقرية “جيل زد” في التعبئة الافتراضية، إلا أنه يفتقر إلى البنية التنظيمية الصلبة والقيادة المركزية الواضحة التي تساعد على الاستمرار. وقد أشارت تقارير إلى “صعوبات تنظيمية داخلية” و”غياب التنسيق المركزي” وحتى انسحابات لبعض فروعه الإقليمية، وهو ما يهدد تماسك الحركة وقدرتها على استدامة الزخم.
  3. الاستجابة الرسمية ودعوات الحوار: لا يمكن إغفال محاولات الحكومة “الالتقاط” لرسالة الشباب والدعوة إلى “حوار شفاف”، وتجديد التأكيد على أن المطالب تندرج ضمن “الأولويات الوطنية”. ورغم أن هذه الدعوات لم ترق إلى مستوى استجابة جذرية، إلا أنها قد تكون ساهمت في امتصاص جزء من الاحتقان وتفريق الصفوف.
  4. تشتت اهتمام المنصات الرقمية: الطبيعة المتقلبة والسريعة لمنصات التواصل التي يعتمد عليها “جيل زد” تعني أن الاهتمام يتشتت بسهولة. فالزخم الرقمي سريع الاشتعال وسريع الخفوت، وقد تحل قضايا جديدة محل الحراك الاجتماعي في صدارة “الترند” في أي لحظة.

ماذا بعد “الوقفة المحتشمة”؟

الوقفة الباهتة لأمس السبت  تبعث برسالة واضحة: الجذوة التي أشعلها “جيل زد” لم تنطفئ كلياً، فملف المطالب لا يزال حياً، لكن لهبها تقلص بشكل حاد. التحركات المستقبلية للحركة، التي أعلنت عن عودتها إلى “الشارع” والتلويح بـ”المقاطعة” كشكل نضالي، ستحدد ما إذا كان هذا التراجع مجرد تكتيك لإعادة الشحن، أو إيذاناً بنهاية “موجة الغضب الرقمي” التي أفرزتها المنصات الاجتماعية.

إن هذا المشهد يضع الحكومة والمؤسسات أمام تحدٍ مزدوج: كيف يمكن الإجابة على المطالب الاجتماعية المشروعة لجيل يعاني من البطالة ونقص الخدمات، وفي الوقت ذاته، كيفية بناء قنوات حوار مستدامة مع حركة غير تقليدية ترفض “الوصاية الحزبية”؟

فشل العودة “المحتشمة” يظل دليلاً على أن الانتقال من التعبير الافتراضي العارم إلى الفعل الميداني المستدام يتطلب أكثر من مجرد “نقرات” وتداول “وسوم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى