المركز الجهوي للاستثمار بفاس مكناس: “بوابة العراقيل” لا قاطرة التنمية

إن الحديث عن المركز الجهوي للاستثمار (CRI) بجهة فاس مكناس يتطلب رفع سقف النقد إلى مستويات غير مسبوقة، فبعيداً عن الأرقام الترويجية و”القوافل الجهوية” الإعلامية، يظل المركز حاجزاً بيروقراطياً فعلياً، وليس قاطرة للتنمية والاستثمار. لقد تحول المركز، الذي أُنْشِئ لتسهيل الإجراءات وفتح الأبواب، إلى “بوابة عراقيل” تعزز الفشل وتكرس الإقصاء الممنهج.
إطلاق المركز الجهوي للاستثمار قافلة جهوية لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة (TPME) في نوفمبر 2025،هو تنفيذ لجندة حكومية هدفها هو حملة إنتخابية سابقة لأوانها،و أنها لم تكن مبادرة إيجابية بقدر ما هي مناورة استباقية مكشوفة لتجميل فشل متراكم. هذا التحرك جاء متأخراً جداً، بعد أن أعلنت مئات المقاولات في جهة فاس مكناس إفلاسها وأغلقت أبوابها نهائياً، نتيجة سنوات عجاف من التضخم والإدارة القاسية.
-
هذه القافلة ليست سوى “عربة تجميل” تحاول إقناع السوق بوجود دعم، بينما الحقيقة أن أرض المقاولات الصغرى محروقة. هذا التزامن مع البرامج الحكومية الجديدة يجعل من المركز منصة تواصل سياسية، مهمتها الترويج لوعود الأغلبية، وتحويل برامج الدعم إلى وقود لحملة انتخابية سابقة لأوانها.
المركز الجهوي للاستثمار بجهة فاس مكناس يمارس إقصاءً ممنهجاً تجاه المقاولات الأصغر حجماً، وتحديداً المقاولات الصغيرة جداً (TPE)، وهي الفئة التي تشكل العمود الفقري الحقيقي لنسيج الجهة وتوفر أغلب فرص الشغل.
-
عقلية “الملفات الكبرى”: يفضل المركز معالجة الملفات التي تتوافق مع معايير ضخمة تحقق “أرقاماً إحصائية لامعة” في سجلاته السنوية، متجاهلاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج إلى الدعم الإداري الحقيقي للخروج من القطاع غير المهيكل.
-
البيروقراطية الانتقائية: حتى عندما يتم إطلاق برامج دعم، فإن شروطها البيروقراطية والمالية تُفصَّل بشكل يجعلها صعبة المنال على المقاولات المحلية في فاس أو مكناس أو تازة التي لا تملك شبكات علاقات أو قدرة على توظيف مستشارين ماليين. إن المركز، بهذا، يرسخ الازدواجية الاقتصادية في الجهة.
إن الاتهام الأقسى الموجه للمركز الجهوي للاستثمار هو تحوله من مؤسسة لخدمة الاستثمار إلى “جهة انتقائية” تُعالج الملفات التي “تراها مناسبة لها”، بعيداً عن منطق الاستحقاق والكفاءة.
-
ملاءمة سجلات المركز: يتم تسريع وتسهيل الملفات التي تخدم مصالح شبكات معينة من المستثمرين أو تلك التي تنتمي لقطاعات “سهلة” تعزز سجل الإنجازات الكمي للمركز.
-
الإغراق في التعقيد: أما الملفات التي تواجه تحديات حقيقية (مثل الصراع على العقار، أو الدخول في قطاعات جديدة معقدة)، فيتم دفعها نحو “الرفض الهادئ” أو الغرق في دهاليز البيروقراطية المقنعة. المركز الجهوي للاستثمار بهذا يكرس الفساد الإداري الصغير ويُقوّض مبدأ الشفافية.
-
الخسارة الجهوية: إن إفلاس المقاولات خلال السنوات الأخيرة في الجهة هو حصاد هذا التعامل الانتقائي. لقد تخلى المركز عن دوره كحاضن ومدافع عن المقاول الصغير، ليصبح مجرد “منصة تصديق” تخدم المصالح العليا، تاركاً المقاولات المنهكة لمصيرها في ظل تضخم قاسٍ.
المركز الجهوي للاستثمار بجهة فاس مكناس، لم يكن قاطرة للاستثمار، بل أصبح نقطة اختناق بيروقراطي تعزز فشل النموذج التنموي السابق في الجهة وتؤكد أن تغيير الواجهات لا يكفي لتغيير العقلية.
وأطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في دراسة جديدة أعدها بطلب من مجلس المستشارين، إنذارا حقيقيا حول الوضع المقلق للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى في المغرب، كاشفا أن سنة 2024 وحدها سجلت ما يقارب 15 ألفا و658 حالة تعثر، أغلبها في صفوف المقاولات الصغيرة جدا، التي تشكل العمود الفقري للنسيج الإنتاجي الوطني.






