أخنوش يدعو الوزراء إلى التنسيق مع وسيط المملكة وتفعيل استعجال معالجة شكايات المواطنين

في خطوة تعكس ارتفاع منسوب الضغط الشعبي على الإدارة العمومية وتزايد انتقادات المواطن المغربي لغياب التفاعل مع تظلماتهم، وجّه رئيس الحكومة عزيز أخنوش منشوراً إلى الوزراء والوزراء المنتدبين وكتاب الدولة يدعوهم فيه إلى “تعزيز التعاون مع مؤسسة وسيط المملكة” والإسراع في معالجة الشكايات الإدارية المتراكمة.
ورغم أن المنشور يبدو إجراءً تنظيمياً عادياً على مستوى الشكل، إلا أنه يكشف في الجوهر حجم الأعطاب التي مازالت تنخر جسد الإدارة المغربية، وضعف آليات ربط المسؤولية بالمحاسبة، واستمرار الهوة بين الخطاب الإصلاحي والواقع المعيشي للمواطن.
المنشور الحكومي أقرّ بشكل ضمني بفشل إدارات ومؤسسات عمومية في التفاعل مع مؤسسة الوسيط، حيث سجل غياب مخاطبين رسميين في عدد من القطاعات، وتعيين أشخاص دون صلاحيات فعلية للتدخل أو اتخاذ القرار، إضافة إلى ظاهرة “الردود الشكلية” الفارغة التي لا تجيب عن جوهر الشكايات، فضلاً عن ضعف تنفيذ التوصيات المتعلقة بالأحكام القضائية.
هذا الوضع يعمّق أزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويؤكد أن جل الإصلاحات الإدارية التي تم الترويج لها سابقاً بقيت رهينة الشعارات، وأن الإدارة مازالت في كثير من المواقع محكومة بعقليات بيروقراطية متجاوزة.
ورغم ما تتمتع به مؤسسة وسيط المملكة من مكانة دستورية باعتبارها مؤسسة مستقلة للوساطة وحماية حقوق المرتفقين، إلا أن نفوذها يبقى محدوداً أمام تعنت بعض الإدارات، التي تتعامل مع المراسلات والتوصيات بـ”اللامبالاة”، وكأنها فوق الرقابة الدستورية والقانون.
وهو ما يطرح السؤال: هل كانت الحكومة في حاجة إلى منشور للتأكيد على احترام مؤسسة دستورية؟ أم أنها مناورة سياسية لإظهار حرص الحكومة على الاستجابة للتوجيهات الملكية في هذا المجال؟
المنشور الحكومي طالب بتعيين مخاطبين رسميين مؤهلين ومدعومين بسلطات فعلية، مع ضرورة التفاعل داخل آجال معقولة وتبرير التأخير أو الامتناع عند الضرورة.
لكن التجربة المغربية في هذا المجال تجعل مثل هذه التعليمات عرضة لمصير سابقاتها: الحفظ في الرفوف، التحايل الإداري، والردود الشكلية… ما لم يتم ربط هذه التوجيهات بمحاسبة حقيقية، وآليات تقييم صارمة، وصلاحيات إلزامية لمؤسسة الوسيط.
في نهاية المطاف، تبقى جوهر الأزمة ليس في عدد المراسلات أو المخاطبين، بل في احترام المواطن ورفع الاستعلاء الإداري عنه. فالمطلوب ليس “التنسيق بين الإدارات”، بل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع عبر إدارة مواطنة، شفافة، مسؤولة، وسريعة التفاعل.
أما المنشورات الحكومية فهي تبقى مجرد ورق إن لم تترجم على أرض الواقع بإرادة سياسية، وقرارات شجاعة، وربط فعلي للمسؤولية بالمحاسبة.