وزارة الداخلية تُعيد ترتيب بيتها الترابي: ترقية عمال أثبتوا كفاءتهم خلال احتجاجات “جيل زيد” وتعيينات جديدة لمواجهة الغليان الاجتماعي

تستعد وزارة الداخلية لإطلاق واحدة من أوسع حركات التعيينات في صفوف الولاة والعمال والمسؤولين الترابيين، في خطوة تُقرأ على أكثر من مستوى سياسي وإداري، خاصة أنها تأتي في سياق حساس يسبق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ويتزامن مع تنامي موجات الاحتجاج الاجتماعي بعدة مناطق من المملكة، وعلى رأسها احتجاجات جيل “زيد” التي أعادت ترتيب أولويات الشارع المغربي.
وبحسب معطيات دقيقة حصلت عليها الجريدة، فإن المجلس الوزاري المرتقب انعقاده بعد افتتاح السنة التشريعية الجديدة سيحسم في لائحة واسعة من التعيينات العليا، طبقاً للفصل 49 من الدستور الذي يُخول للمجلس صلاحية التعيين في المناصب العليا للدولة. هذه الخطوة المرتقبة تعكس، وفق مصادر مطلعة، رغبة واضحة لدى وزارة الداخلية في إعادة هيكلة المشهد الترابي بما يتلاءم مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب في الآونة الأخيرة.
مصادر الجريدة أكدت أن الداخلية تتجه إلى مكافأة عدد من العمال الذين أبانوا عن علو كعبهم الإداري والميداني، خاصة خلال موجة الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة واحتجاجات جيل “زيد”، بعد أن تمكنوا من تدبيرها بذكاء وهدوء، دون تسجيل أي مواجهات أو أعمال تخريب، هؤلاء المسؤولون، الذين نجحوا في تحقيق معادلة صعبة بين الحفاظ على الأمن واحترام الحق في التظاهر، باتوا اليوم مرشحين بقوة للترقية وتولي مهام جديدة على رأس ولايات تعرف غلياناً اجتماعياً متصاعداً .
ويرى متابعون أن هذا التوجه يعكس تحولاً نوعياً في فلسفة التدبير الترابي، إذ لم تعد الوزارة تراهن فقط على الصرامة الإدارية، بل أصبحت تولي أهمية أكبر للكفاءة في التواصل والحضور الميداني والقدرة على امتصاص التوتر الاجتماعي. فالمرحلة تقتضي رجال سلطة من طينة خاصة، يعرفون كيف يصغون قبل أن يأمروا، ويديرون الأزمات بالعقل لا بالعصا.
وتأتي هذه الدينامية التنظيمية في وقت شرع فيه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في إعادة ترتيب بيته الداخلي، حيث تم مؤخراً تعيين محمد فوزي والياً بالنيابة عن جهة مراكش-آسفي، بعد فترة قصيرة قضاها في منصب المفتش العام للإدارة الترابية، إلى جانب تعيين خالد الزروالي والياً بالنيابة عن جهة فاس-مكناس، بعد مسار طويل في إدارة ملفات معقدة على رأس مديرية الهجرة ومراقبة الحدود.
في السياق ذاته، تشير المعطيات إلى أن وزارة الداخلية تُعدّ لائحة جديدة تضم أسماء مرشحة لتولي مناصب المسؤولية داخل الإدارة المركزية، فضلاً عن برمجة حركة انتقالية موسعة في صفوف الولاة والعمال، وذلك في إطار مقاربة تهدف إلى ضخ دماء جديدة وتعزيز فعالية الحكامة الترابية.
ويرى محللون أن المرحلة المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لمدى جاهزية الإدارة الترابية للتعامل مع التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة، في ظل مطالب متزايدة بتحسين الخدمات العمومية ومحاربة الفساد وتحقيق عدالة مجالية حقيقية. ومن شأن اختيار كفاءات ميدانية راكمت خبرة في تدبير الأزمات أن يُسهم في تعزيز الثقة في المؤسسات، وتثبيت صورة جديدة لرجل السلطة القريب من المواطنين وهو ما يجب المراهنة على الأطر الشابة و التي ستدبر مرحلة إنتقالية صعبة و هي المتراوحة بإخماد الإحتجاجات سلميا و الإستعداد للإستحقاقات التشريعية القادمة و مواكبة التظاهرات الدولية و تنزيل البرنامج الملكي الجديد المتعلق بالتنمية المجالية.
ومهما اختلفت القراءات، فإن المؤكد أن وزارة الداخلية تُدرك جيداً أن المغرب مقبل على مرحلة دقيقة تتطلب مسؤولين قادرين على فهم نبض الشارع وإدارة الاحتقان بالعقل والحوار. لذلك، فإن الحركة المرتقبة ليست مجرد تغييرات إدارية روتينية، بل خطوة استراتيجية لضمان استقرار البلاد وتحصينها من أي انفلات، عبر ترسيخ نموذج جديد في تدبير الشأن المحلي عنوانه: السلطة في خدمة المواطن، لا المواطن في خدمة السلطة.






