هل تمردت النقابات على وعود الحكومة؟أم العهود نكثت بسبب صراعات الأجنحة؟

يبدو أن اتفاق 29 أبريل 2024 لم يصمد سوى تسعة أشهر، لتوحد خمس مركزيات نقابية على إضراب عام وطني يوم الأربعاء 5 فبراير الجاري.
النقابات المضربة وحّدتها المطالب والانتظارات، رغم كل ما روّج وهلّل له من كون اتفاق أبريل الماضي بينها وبين الحكومة هو “تاريخي وغير مسبوق بين الحكومة والمركزيات النقابية”، وسط تساؤلات ملتهبة وحارقة: ما الذي تغيّر؟ ولماذا هذا الانقلاب؟ ومن يتحمّل مسؤولية ما حصل؟
اتفاق 29 أبريل لم يصمد
بالعودة إلى نص الاتفاق المشترك بين الحكومة والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، فبحسب موقّعيه هو تتويج لنتائج هذه الجولة من الحوار الاجتماعي، التي اعتمدتها الحكومة كخيار استراتيجي يكرس مأسسة الحوار الاجتماعي واحترام ضوابطه وتنزيل التزاماته، من أجل تحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين وتعزيز حمايتهم استجابة للرؤية الملكية. كما يمثل هذا الاتفاق ثمرة للجهود المشتركة التي بذلتها جميع الأطراف، في إطار تميز بالجدية والمسؤولية في التعاطي مع مختلف المطالب والملفات مع السعي الى معالجتها بنجاعة وفعالية، مع الحفاظ على تنافسية الشركات الوطنية والتزاماتها الاجتماعية.
كما يشكل هذا الاتفاق استكمالا لتنفيذ الالتزامات المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022 الذي وضع دعائم ومرتكزات حوار اجتماعي متوازن ومتجدّد”.
وأقرّ الاتفاق على “تحسين الدّخل من خلال إقرار زيادة عامة في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الذين لم يستفيدوا بعد من مراجعة أجورهم، وذلك بمبلغ شهري صاف محدد في 1.000 درهم، يصرف على قسطين متساويين ، الأول ابتداء من فاتح يوليوز 2024، والثاني ابتداء من فاتح يوليوز 2025. أما في القطاع الخاص، فإن الزيادة في مبلغ الحد الأدنى القانوني للأجر في النشاطات غير الفلاحية (SMIG) بنسبة 10% سيتم تطبيقها على دفعتين: 5% ابتداء من فاتح يناير 2025 و 5% ابتداء من فاتح يناير 2026، على أن الزيادة في مبلغ الحد الأدنى القانوني للأجر في النشاطات الفلاحية (SMAG) بنسبة 10% سيتم تطبيقها على دفعتين: 5% ابتداء من فاتح أبريل 2025 و 5% ابتداء من فاتح أبريل 2026، علاوة على مراجعة نظام الضريبة على الدخل ابتداء من فاتح يناير 2025 بالنسبة للأجراء، إلى جانب إصلاح منظومة التقاعد يتم التوافق على تفاصيل مضمونها وفق منهجية تشاركية، في أفق وضع تصور موحد لهذا الإصلاح وعرضه خلال الجولة المقبلة للحوار الاجتماعي شتنبر 2024)، على أن يتم عرضه على المصادقة التشريعية خلال دورة أكتوبر 2024 للبرلمان، فضلا عن إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية لهذا القانون التنظيمي، بتدقيق مفاهيمه وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية، مع مواصلة العمل على معالجة الملفات الفئوية وفق مقاربة تشاركية، لاسيما من خلال مراجعة الأنظمة الأساسية الخاصة ببعض الهيئات وتجويدها، ومراجعة تشريعات العمل”.
نكوص نقابي أم حكومي على اتفاق ؟
خمس مركزيات نقابية دعت لإضراب وطني، أولها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي تمرّدت على الحكومة بتبريرات تتراوح ما بين “التّصدي لاستبداد الحكومة التي تخدم مصالح أرباب العمل والشّركات، وإصرارها على تمرير قانون الإضراب المثير للجدل، إضافة إلى عجزها عن مواجهة غلاء المعيشة، وتشجيعها على انتهاك قانون الشغل، والتّراجع عن المكتسبات التي حققها الموظفون والأجراء، وتأثير ذلك على القدرة الشرائية، من دون الحفاظ على الحماية الاجتماعية، وإصلاح أنظمة التقاعد”. وهو موقف عضّده موقف الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ضدّا على ما أسمته المركزية النقابية ” تكبيل الحقّ في الإضراب، ودمج الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “CNOPS” في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي “CNSS، وما يترتب على ذلك من إجهاز على الحقوق المكتسبة للمنخرطين والمستخدمين.
وسار بيان مشترك يدعو لإضراب وطني الأربعاء 5 فبراير الجاري، حمل توقيع كل من الكونفدرالية الدّيمقراطية للشّغل، والاتحاد الوطني للشغل، وفدرالية النقابات الديمقراطية، والمنظّمة الديمقراطية للشّغل، إلى التأكيد على أن دعوات الإضراب تأتي “احتجاجا على منهجية تعاطي الحكومة مع الوضع الاجتماعي المأزوم بشكل عام، وتمرير مشروع قانون التنظيمي للإضراب 97.15 بالبرلمان الملغوم المكبّل للنّقابات، ضدّا على مقتضيات الفصل 29 من الدّستور، من دون إشراك الهيئات النّقابية، وبلا حوار اجتماعي”.
والتحقت مركزية الاتحاد المغربي للشغل، ليلة الإثنين 3 فبراير الجاري، بركب الدّاعين للإضراب الوطني لتمدّده ليوم ثان (6 فبراير 2025)، وتطلق النّار على الحكومة بحزمة مطالب جديدة تنضاف لمطالب المركزيات التي سبقتها لإضراب يوم 5 فبراير الجاري.
ومن بين المطالب التي رفعتها “رفع التّجميد عن الحوار الاجتماعي الوطني بعد تعطيله لدورتين متتاليتين دونما سبب وجيه، في خرق صارخ للالتزاماتها الموقعة بين رئيس الحكومة والنقابات وأرباب العمل، وتهريب مشروع القانون التنظيمي لحقّ الإضراب من مؤسسة الحوار الاجتماعي وتمريره بأساليب ملتوية وبأغلبيتها العددية بمجلس النواب وبمجلس المستشارين، وإصرار الحكومة وعزمها الاستمرار في ضرب أنظمة التقاعد والهجوم على مكتسبات الأجراء في معاشاتهم ومدخراتهم الاجتماعية، بذريعة إفلاس صناديق التقاعد، وسط استمرار الحكومة في الاصطفاف الى جانب أرباب العمل، والهجوم على الحريات النقابية والتضييق الممنهج على الممارسة النقابية وعلى حق الحركة النقابية في الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية، علاوة على استمرار الحكومة في نهج سياسات تهميشية للشباب العاطل عن العمل وفي الهجوم على الخدمات العمومية من تعليم وصحة، مع وضع حد لالتهاب الأسعار وتسقيف الأثمنة والحد من المضاربات”.
ولم تشفع التنبيهات والإضرابات الانذارية والوقفات الاحتجاجية التي خاضتها النقابات من أجل “تنبيه الحكومة، غير أن الأخيرة تستهتر بأوضاع العمال والأجراء وتخرق السلم الاجتماعي”، وفق لغة بيانات صدر عن التنظيمات النقابية.
ويرى مراقبون تحدثوا لموقع “لكم”، أنه “على الرّغم من الزّيادات التي باشرتها الحكومة عبر اتفاق 29 أبريل في الأجور، في القطاعين العام والخاصّ، فإن الأجراء والمركزيات النقابية لم يقتنعوا بعد بما يعيشونه من أوجاع وغلاء وسعار الأسعار يكتوون به يوما بعد يوم، ولا يتوقّف نزيفه الذي يلهب جيوب المواطنين”.
تعبئة وتواصل لإنجاح الإضراب
يبدو أن التعبئة التي باشرتها المركزيات النقابية الخمسة، الداعية للإضراب الوطني،منذ نهاية الأسبوع، عززتها الجموع المحلية والإقليمية والجهوية التي بوشرت على مستوى التنظيمات النقابية، ستجعل دعوات الإضراب الوطني محكّا للتنظيمات النقابية بنسب مشاركة المضربين، وإن كان المنتسبون لهاته التّنظيمات في تراجع سنة بعد أخرى، لممارسة مزيد من الضغط على الحكومة للتراجع عن قانون الإضراب، والتوصل إلى توافق بشأن إصلاح أنظمة التقاعد، على وجه الخصوص، وهما الملفان الأكثر أولوية لدى الحركة النقابية بالمغرب.
إلى حدود كتابة هذا التقرير، لم يصدر أيّ ردّ فعل من قبل الحكومة، على دعوات المركزيات الخمس للإضراب العام الوطني، في ظل التحدّي الذي رفعته القيادات النقابية، سواء في بياناتها المشتركة أو في ندوتها الصحافية المشتركة، بتصريحها الواضح بمواصلة الاحتجاج التصعيد، إن كان موقف الحكومة مواصلة تمرير قوانين، والتراجع عن مكتسبات، تعتبرها الهيئات النقابية حقا لا محيد عنه.