قضايا

هل تحولت محاربة الفساد إلى “تجارة” ربحية في برامج الأحزاب السياسية؟

تشير العديد من التقارير الدولية، آخرها تقرير منظمة الشفافية الدولية، إلى تزايد ظاهرة الفساد في المغرب، وهو ما يراه حقوقيون تطبيعًا للمجتمع مع هذه الآفة. أصبح الفساد ليس مجرد قضية يجب محاربتها، بل جزءًا من الحياة اليومية التي يواجهها المواطن المغربي. الفساد لم يعد يعبر فقط عن الرشوة أو استغلال النفوذ، بل أصبح يشكل تهديدًا كبيرًا لمستقبل البلاد وللديمقراطية.

يرى بعض النشطاء أن الفساد أصبح “ظاهرة طبيعية” في المجتمع المغربي، حتى أن البعض أصبح يتباهى به. ويعتبر هؤلاء أن هذا الوضع يشكل “كارثة” تهدد استقرار الديمقراطية في البلاد. ويربطون انتشار الفساد بالتأخر الكبير في عملية الانتقال الديمقراطي، موضحين أن غياب الإرادة السياسية في محاربة الفساد يعمق هذه المشكلة. ويؤكدون أن البلدان الديمقراطية هي التي تتمكن من محاربة الفساد، ولكن في المغرب، الوضع مختلف تمامًا، حيث تسهم غياب الديمقراطية في تفشي هذه الآفة.

وفي حديثهم عن الوضع السياسي في المغرب، يشير هؤلاء النشطاء إلى تراجع دور الأحزاب السياسية التي كان من المفترض أن تكون جزءًا من الحل، ولكنها أصبحت تروج لشعارات محاربة الفساد خلال الحملات الانتخابية، دون أن تقدم حلولًا ملموسة. وأوضحوا أن بعض الأحزاب السياسية تحولت إلى “تابع” لجهات إدارية، ما يعكس التراجع الكبير في الديمقراطية.

الغفلة عن محاسبة المسؤولين في قضايا مثل فشل البرامج التعليمية، والتي أهدرت عليها ميزانيات ضخمة، تجعل من الصعب مكافحة الفساد بجدية، حيث أن الإفلات من العقاب أصبح سمة مميزة للكثير من المسؤولين.

من جانب آخر، تحدث بعض الصحفيين والحقوقيين عن “تجارة محاربة الفساد” التي أصبحت جزءًا من الخطاب السياسي لبعض الأحزاب، مشيرين إلى أن الحلول التقنية لا تكفي للقضاء على الفساد. بل يحتاج الأمر إلى إرادة سياسية حقيقية. وانتقد هؤلاء أيضًا الممارسات الاحتكارية بين الشركات الكبرى في قطاعات مثل الاتصالات، معتبرين أن هذه الممارسات هي جرائم اقتصادية يعاقب عليها في دول أخرى.

أضاف هؤلاء أن الفساد في المغرب ليس مجرد ممارسات فردية، بل هو جزء من نظام سياسي يعيد إنتاج الفساد حسب الظروف السياسية والاجتماعية، مثلما حدث في احتجاجات سابقة. واعتبروا أن توزيع المواد الغذائية على سكان الأحياء الشعبية كان محاولة من الدولة لاحتواء الاحتجاجات وتفكيك المقاومة المجتمعية.

ما يعمق الأزمة هو استمرار عمليات الاستيلاء على الأراضي في مناطق مختلفة من البلاد، حيث يتم نقل الثروات من الفئات الضعيفة إلى جهات نافذة محمية سياسيًا. هذه العمليات تمثل جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى إضعاف دور المجتمع المدني والصحافة في كشف الفساد، مما يساهم في تكريس الظلم وتهميش المواطنين.

في ختام حديثهم، دعا هؤلاء النشطاء إلى ضرورة إعادة النظر في النظام الدستوري من خلال نقاش شامل حول الشفافية والمساءلة، مؤكدين على ضرورة تفعيل آليات حقيقية لضمان عدم تداخل المصالح السياسية والاقتصادية في يد الحاكمين.

الفساد في المغرب أصبح أزمة مستمرة، تتطلب إرادة سياسية حقيقية لتجاوزها، حيث أن التصدي لهذه الآفة يحتاج إلى أكثر من مجرد شعارات، بل إلى إجراءات ملموسة تضمن محاسبة الجميع، وتعيد الثقة في المؤسسات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى