نقابة الصحافة في قبضة الورثة: فوضى إعلامية بفاس و انشطة مع المجلس الجماعي خارج السياق

في مشهد يعكس عمق التدهور الذي يعيشه الجسم الإعلامي بمدينة فاس، أطلت صباح اليوم السبت 14 يونيو الجاري، ما يُسمى بـ”فرع النقابة الوطنية للصحافة المغربية”، بنشاط مفاجئ وغير معلن، وهو ذكرى تأسيس الفرع الذي مرت عنه 34 سنة من الجمود و الخمول و التراجعات، جمع بين رئيسها وعمدة المدينة عبد السلام البقالي الذي يصنف من أضعف شخصية سياسية يعرفها المجلس الجماعي،فحتى حزبه بات يخطط للتخلص منه عما قريب بعد أن اجهز عن قوة الأحرار بالمدينة .فاللقاء حمل طابع الشراكة الإعلامية، لكنه في جوهره يطرح أكثر من علامة استفهام حول شرعية تنظيمه، وهوية من يمثل الإعلام المحلي فيه.
▪️ شراكة في الظل… ووراثة مشبوهة
هذا النشاط الذي أُعلن عنه دون استشارة أو إشراك الصحفيين الحقيقيين بالمدينة، يعكس واقعًا مختلًا، حيث تحوّلت النقابة إلى تركة شخصية “يُورّثها” الرئيس كما يشاء، دون موجب قانوني أو مسار ديمقراطي. فلا وجود لفرع جهوي فعلي، ولا لقاعدة انتخابية معترف بها. ومن يقود اليوم هذا الفرع لا يمثل إلا فئة محدودة، بينما المهنيين الذين يشتغلون في الميدان ويعرفهم الجميع بكفاءتهم ومهنيتهم وضعوا مسافة مع ما يروج و الذي لا يمثل إلا أنفسهم،و لا شرعية لهم للحديث بإسم الجميع.
▪️ حين يتحول الهاتف والبونجة إلى بطاقة عبور
واقع القطاع بفاس بات أكثر تشويشًا، حيث اختلطت الأصوات الحرة بالأصوات “المزعجة”، وتم تمييع صفة “الصحفي”. اليوم، كل من يحمل هاتفًا بكاميرا و”بونجة” يقدّم نفسه صحفيًا، في غياب الرقابة، والتأطير، والوعي المهني. هؤلاء لا يمتلكون القدرة حتى على طرح سؤال بسيط حول اختلالات الواقع، ويكتفون بالتقاط الصور ونشر “الأنشطة” عبر مواقع التواصل.
▪️ مجلس جماعي مأزوم… يغازل الإعلام لشراء الصمت
المثير للدهشة أن هذا اللقاء النقابي تم بالتنسيق مع مجلس جماعي يعيش اختلالات كبرى، وعمدة صُدر في حقه حكم قضائي بالسجن النافذ. فهل يُعقل أن يُقحم الجسم الإعلامي في شراكة مع مؤسسة فقدت الكثير من مصداقيتها؟ هل أصبحت الصحافة أداة تلميع لمجالس متهالكة، بدل أن تكون سلطة رقابة ونقد ومساءلة؟
المجلس الجماعي، إن كان جادًا في رغبته بالانفتاح على الإعلام، فليبدأ أولًا بتمكين الصحفيين من حقهم في الوصول إلى المعلومة، لا تنظيم لقاءات داخل قاعات الجماعة، أو عقد شراكات هدفها تكميم الأفواه وتمييع المواقف.
▪️ مهنة تُخنق في وضح النهار
أصوات كثيرة داخل الجسم الإعلامي بفاس باتت ترفع نداءً موحدًا: “كفى من العبث!”. فالصحفي الحقيقي لا يقايض مواقفه باتفاقيات شراكة ولا يجلس في حضن السياسيين، بل يضع مسافة واضحة بينه وبين السلطة، ويمارس دوره كعين يقظة للمجتمع، لا كعدسة تروّج للواجهة.
المؤسف أن العديد من الصحفيين الحقيقيين قاطعوا هذا اللقاء، ليس عن عزوف، بل عن وعي بأن ما يجري لا يمثلهم ولا يمثل المهنة، بل هو محاولة لتسويق صورة مشوهة عن قطاع يُستغل فيه الضعفاء، ويقصى فيه من يملك الجرأة على الكلام،مع العلم لم يسمع يوما على هذه النقابة أن أعلنت يوما تضامنا مع ما يقع للصحفيين من ملاحقات و مضايقات لا لشيء سوى أنهم اختاروا نقل الخبر بكل تجرد و مهنية ،فيما بعض الأشخاص و خاصة الساسة و المنتخبون يحاولون حماية فسادهم من خلال تكميم الافواه و جرجرة الصحفيين الى القضاء.
▪️ من النقابة إلى الفوضى… المشهد يتفكك
النقابة التي أُسست للدفاع عن الصحفيين، أصبحت اليوم أداة لتمزيقهم. يغذيها منطق “فرّق تسد”، ويديرها أشخاص لا يملكون لا الكفاءة ولا الشرعية، بل يحيطون أنفسهم بأسماء لا صلة لها بالإعلام المهني، ويتخذون قرارات لا تعني شيئًا لجموع الصحفيين العاملين في الميدان.
▪️ دعوة إلى التحرر من القيود
إن ما نحتاجه اليوم ليس شراكات تجميلية ولا موائد مستديرة، بل صحافة مستقلة حرة، تملك القرار، وتحمي ميثاق المهنة، وتدافع عن كرامة الصحفي. فمن يختار أن يكون صوتًا حرًا، عليه أن يرفض الصفقات تحت الطاولة، ويرفض تحويل الإعلام إلى ملحق سياسي.
فليكن واضحًا: الصحفي لا يُشترى، والصحافة ليست سلعة. ومن يعتقد أن بإمكانه السيطرة على الكلمة الحرة، فليعلم أن زمن الصمت قد انتهى.