قضايا

نحو فلسفة شاملة للوقاية من منازعات الدولة: دعوة رئيس النيابة العامة لتعزيز الثقة والاستقرار القانوني

الرباط – فاس24– في محطة مفصلية ضمن جهود الارتقاء بمنظومة تدبير الشأن العام، أكد مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، على ضرورة الانتقال بالتعامل مع منازعات الدولة من مجرد إجراءات تقنية إلى مستوى فلسفة شاملة تهدف إلى بناء جسور متينة من الثقة بين مختلف الأطراف المعنية. هذا التأكيد القوي جاء اليوم الثلاثاء 15 أبريل الجاري، خلال أشغال المناظرة الوطنية الأولى حول تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، المنظمة بالرباط من طرف وزارة الاقتصاد والمالية والوكالة القضائية للمملكة، ليشكل بذلك دعوة صريحة لإعادة صياغة المقاربة المعتمدة في هذا المجال الحيوي.

لم يقتصر حديث الداكي على الجوانب الإجرائية، بل تجاوزها ليشدد على أهمية تبني حلول توافقية تضمن حقوق جميع الأطراف وتسهم في تحقيق الاستقرار القانوني والمؤسساتي المنشود. وفي سياق متصل بأهمية المناخ الاقتصادي، أوضح رئيس النيابة العامة أن توفير بيئة استثمارية مستقرة وآمنة يعد ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، ومحفزاً للنمو وخلق فرص العمل، وهو ما يستدعي بالضرورة تجنيب المستثمرين والمؤسسات شبح المنازعات المعرقلة للتنمية.

وفي سياق سعيه نحو تعزيز الفعالية والنجاعة، أبرز الداكي الحاجة الملحة إلى تطوير آليات مبتكرة تساهم في صون المشروعية وتفادي نشوء المنازعات التي قد تعرقل مسار التنمية. كما لم يغفل الإشارة إلى التحدي الكبير المتمثل في ترشيد النفقات العمومية، مؤكداً على ضرورة تضافر جهود مختلف المؤسسات لضمان الاستخدام الأمثل للموارد وتجنب التكاليف الباهظة المترتبة على الخوض في مساطر قانونية طويلة ومعقدة.

استند رئيس النيابة العامة في كلمته إلى مرجعية دستورية راسخة، مشيراً إلى المبادئ والأحكام التي تضمنها دستور المملكة، والتي تشكل أرضية صلبة لسيادة القانون، وعلى رأسها ربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة وتهيئة مناخ أعمال تنافسي. كما استحضر الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة سنة 2019، والتي أكدت على ضرورة توحيد مساطر تسوية منازعات الاستثمار وتجاوز إشكالات الاختصاص القضائي وإنشاء هيئات متخصصة تتسم بالمرونة والسرعة والنجاعة.

وعلى صعيد التفعيل العملي لهذه التوجهات، استعرض الداكي الجهود التي تبذلها رئاسة النيابة العامة، بتعاون وثيق مع الوكالة القضائية للمملكة، في سبيل تعزيز حسن تدبير المنازعات. وشملت هذه الجهود تنظيم ندوة علمية وطنية بمراكش تناولت موضوع الخطأ القضائي في مجال الاعتقال الاحتياطي، فضلاً عن تطوير آليات تبادل المعلومات القانونية عبر الانخراط الجدي في التبادل الإلكتروني للوثائق والمذكرات مع مختلف النيابات العامة والوكالة القضائية للمملكة. وقد أثمرت هذه الخطوات تحسين جودة الدفاع عن مصالح الدولة واحترام الآجال القانونية، وساهمت بشكل ملحوظ في رفع معدلات النجاح في قضايا طلبات التعويض ضد النيابة العامة.

وفي الختام، أكد الداكي على أهمية مبادرة المؤسسة في تجميع وتصنيف الاجتهادات القضائية واستخلاص المبادئ القانونية منها، وهو ما يعكس حرصها على تعزيز المهنية وتكريس التراكم المؤسساتي في الدفاع عن مصالح الدولة، الأمر الذي يصب في نهاية المطاف في تعزيز مناخ الثقة وتقليل مخاطر النزاعات. إن دعوة رئيس النيابة العامة تمثل إشارة قوية نحو تبني رؤية استراتيجية متكاملة للوقاية من منازعات الدولة، وهو ما يستدعي تضافر جهود جميع الفاعلين من أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى